أول هجوم يتعرض له الدين الإسلامي من معارضيه هو أنه دين إكراه ، انتشر بحد السيف ، وهذه عبارة قاسية يرمز لها معارضوه إلى انتهاكات مرت بتاريخ الدين الإسلامي ، جعلت من الناس يدخلون فيه كرهاً لا حباً وإيماناً.
لكن هذا الكلام مردود عليه وسنحاول دحض هذه الاتهامات بما يلي :
هذه “العبارة” لا أساس لها من الصحة، فقد كانت هناك حالات معينة في تاريخ المسلمين الذين يتجاهلون التعاليم الإسلامية ويتصرفون بقسوة تجاه غير المسلمين، بما في ذلك حالات التحول إلى الإسلام بالإكراه، تماماً مثلما ارتكبه أعضاء طوائف أخرى من شرور (على سبيل المثال، الحروب الصليبية، محاكم الاستجواب الإسبانية) التي خرقت مبادئ دينها.
لذا فإن رمي الأحكام جزافا ، دون تحليل المتغيرات العديدة التي تشكل مسار الأحداث في كل حالة على حدة فهو فعل جاحف بحق الدين الإسلامي ، وخيانة للأمانة الفكرية وعقبة أمام الفهم والتصالح.
فإن فكرة انتشار الإسلام بحد السيف ترجع للحروب الصليبية، حتى أن المسيحيون الأوربيون بقووا يثيرونها ويجعلون منها محور جدل وخلافات منذ قرون.
ليأتي المستشرقون و يصطادونها يريدون ان يجعلوا منها بصمة سوداء على جبين الاسلام. فقد قاموا بخلط التاريخ بالأساطير، وإضفاء الشرعية عليه، باستخدام مصطلح ويليام ماكنيل.
رغم هذا نجد بين صفوف المستشرقين، مثل السير توماس أرنولد ودي لاسي أوليري، من كان يبحث ويتحرى من قصص التحول إلى الإسلام بالإكراه. في عام 1923، قال أوليري إن ((أسطورة المسلمين المتعصبين الذين يجتاحون العالم ويفرضون الإسلام بالإكراه على من يغزونهم هي واحدة من أكثر الأساطير سخافة بشكل لا يصدَّق والتي لا يزال المؤرخون يكررونه على نحو أكثر من ذي قبل))
والمؤرخ الشهير مارشال هودجسون، ذكر في كتابه ((مشروع الاسلام)) الرأي ذاته.
واخيرآ ذكر إيرا لابيدوس في كتابه ((تاريخ المجتمعات الإسلامية)) :
[[إن العلماء الأوروبيون كانوا يعتقدون إن حالات التحول إلى الإسلام قد وقعت بحد السيف وأن الشعوب التي تم احتلالها خُيرت ما بين التحول إلى الإسلام أو الموت. ويتضح الآن أن التحول بالإكراه – رغم أنه غير معروف في البلدان الإسلامية – كان نادر الحدوث في الحقيقة، فقد كان الغزاة المسلمون يرغبون في الهيمنة بدلاً من التحول إلى الإسلام، وكانت معظم حالات التحول إلى الإسلام طوعية]] .
فإن حالات التحول إلى الإسلام بالإكراه كانت نادرة وفردية على مدار التاريخ.
فابن كثير في تفسيره لقوله تعالى:
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)
ذكر أن لا تكرهوا الناس على الإسلام ، فهو دين قوي بأدلته وبراهينه ولا يحتاج لذلك لدخول فيه.
والمسلمون هم المعنيون في الوقوف أمام هكذا فكرة تشوه الاسلام، فقد جاء القرآن بكلام واضح وجلي :
قال تعالى :
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
ففي الحرب يفترض أن تمنح الجيوش الاسلامية لغير المسلمين خيار الدخول للاسلام أو دفع جزية وقبول الذمية، أو الدخول في متاهات الحرب.
فإذا اختاروا الحرب وخسروا فسيكون بانتظارهم نزع الملكية أو الاستعباد وربما الموت، كل هذا جائز وقد يحدث باستثناء دخولهم كرها للاسلام.
أما خيار ما وصفه بات يؤور بعبارة “ذميون” حيث ذهب يؤور وآخرون بأن شرط دفع الجزية وتحميل وصف الذمي كان شكلا من أشكال “الإكراه في الدين”.
فقد قام برد على يؤور مؤرخون بارزون مثل (برنارد لويس ) المشهور بموضوعيته:
لقد كان نظام الذمة “متماشيا مع العرف السائد في جميع مجتمعات العصور الوسطى، على سبيل المقارنة فإن تاريخ الذمة يُقارن بشكل إيجابي مع معاملة غير المسيحيين في أوروبا خلال معظم حقبة ما قبل العصر الحديث.
نقول كل هذا ونعترف بوجود حالات مؤكدة على إساءة استخدام هذا النظام، ومنها الحاكم بأمر الله الفاطمي إلا أنها تبقى حالات نادرة .
((حالة إيجابية )):
وهي اتفاقية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبطريرك القدس، تعطينا مثالاً على اتفاق الذمة الذي تم بموجبه حظر التحول إلى الإسلام بالإكراه صراحةً:
[[هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر، أهل القدس من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريئها وسائر ملتها، إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حدها ولا من صلبانهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم]]
من جهة اخرى نرى أنه على مدى قرنين من الزمان كانت أغلبية سكان الإمبراطورية الإسلامية على الأقل من غير المسلمين
فقد بين (لهيو كينيدي) أن التحول إلى الإسلام بالإكراه “شبه مستحيل” بعد الفتوحات الإسلامية الأولى، حيث كان المسلمون أقلية في المناطق التي غزوها حديثًا ربما مثلّوا حوالي 10٪ من السكان في مصر و 20٪ في العراق.
وكما أشار بعض المؤرخين، [إذا كان التحول إلى الإسلام بالإكراه هو الدافع وراء الغزوات، فقد كان ذلك فشلًا ذريعًآ]
رغم هذا إلا أننا لا ننكر وجود حالات فردية
لتحول إلى الإسلام بالإكراه على مدار التاريخ،لكن هذه الحالات كانت في معظمها أكثر تعقيدًا وتباينًا عن تلك العبارة المفتعلة الاختزالية المضللة “الانتشار بحد السيف”.