- - عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه ؛ هو رجل وأي رجل ،إنه رجل بألف بل أكثر .
- - مهما تحدثنا عنه ومهما تناغمت الحروف لتسطر عبارات المدح والثناء لرجل الحق .
- - لرجل المهمات الصعبة ، لرجل سيزلزل عروش ملوك الأرض في زمانه ؛ستبقى عاجزة أمام عظمته .
- - إنه عمر الفاروق ،عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
- قصة إسلامه:
- - لم يكن عمر بن الخطاب قبل إسلامه ذلك الرجل السهل الذي يمكن أن يُعرض عليه الإسلام فيقبل ، أو تشور عليه بمشورة فيرضخ إلا أن يشاء الله .
- - لقد كان مثال القسوة والعنف الشديدين ،غليظ الطباع ،قوي الشكيمة طويل القامة إذا ركب الدابة وصلت قدماه الأرض ،أعسر أصلع .
- - كان مسموع الكلمة في قبيلته، لم يكن أحد ليتصور أن مثل هذا الرجل يمكن أن يغير وجه التاريخ بعد أن يشع نور الإسلام في قلبه .
- - لم يكن أحد يتصور أن هذا الرجل الذي يعذب جارية له لأنها دخلت في الإسلام يمكن لآيات الله أن تحرك فؤاده ،أو أن يرق قلبه لسماعها .
- - إلا زوجة عامر بن ربيعة التي التي لمست رقة عذبة في داخله عندما كانت تعد نفسها للهجرة الأولى فقال لها صحبكم الله ،أحست عندها أنه من الممكن أن يسلم عمر.
- - ولما أخبرت زوجها رد عليها بقوله أطمعت في إسلامه ؟ قالت: نعم ، قال : فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب .
- - ولما كانت الأحداث تكثر في ساحة مكة ، وكل يوم تسمع قصة جديدة عن هذا الدين الجديد ، بدأ عمر يعيش صراعا نفسياً حاداً، فهو بين أن يكون زعيماً في مكة ، وبين أن يكون تابعا في هذا الدين .
- - ذلك أن قلبه يحدثه أن هؤلاء قد يكونون على صواب وخاصة أنه رأى مواقف نادرة من ثبات أصحاب رسول الله أمام مايتعرضون له من صنوف العذاب .
- - ولابد أنهم وجدوا في هذا الدين الجديد مايعينهم ويقويهم ويجعلهم صابرين محتسبين .
- - وعلى أثر هذا الصراع النفسي الشديد ، قرر عمر أن ينهي هذا الأمر ، وينهي هذا الخلاف الذي حدث في مكة ، ولهذه الأسباب ولأسباب عصبية قبلية تكمن في رد الاعتبار لنفسه ولخاله أبي جهل ، قرر قتل رمز الإسلام وقائده سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام .
- - ولما عزم عمر على هذا الأمر، خرج متوشحاً سيفه ، قاصدا رسول الله .
- - وفي الطريق لقيه نعيم بن عبد الله ووجد الشر يتطاير من عينيه ، فأوقفه وسأله :أين تريد ياعمر ؟ فأجابه : أريد محمداً، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها ، وسفه آلهتها ؛ فأقتله .
- - ولما سمع نعيم مقالة عمر فزع وأدرك أنه فاعل ماعزم عليه ، قرر أن يصرف همه عن محمد بإشغاله بهمّ أكبر ، ولذلك كشف له عن حقيقة كانت هي الفيصل في حياته ؛ألا وهي حقيقة إسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد ، ذلك أن إسلام أخته طعن أكبر في كرامته .
- - وقال نعيم لعمر :
- - والله لقد غرتك نفسك من نفسك ياعمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟
- - لقد أصاب نعيم عمر في الصميم واستطاع أن يلهيه عن محمد بقصة جديدة لم تكن بالحسبان .....
- - وبفزع شديد قال عمر :أي أهل بيتي ؟
- - قال نعيم ابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ،فقد أسلما وتبعا محمداً ، فعليك بهما .
- - لم يكد عمر يسمع بالخبر حتى توجه مسرعاً إلى بيت أخته ونسي أمر محمد صلى الله عليه .
- - وصل عمر إلى بيت أخته وقسمات الشر في وجهه ، طرق الباب بشدة ،وقبل دخوله سمع همهمة وصوتا غريبا .
- - أدرك الجميع أن عمر قادم والخطر محدق بهم فأسرع خباب واختفى، وكان خباب يعلم سعيد وزوجته القرآن ، وكان من الموالي فخاف واختبأ وقال: لئن نجا سعيد وفاطمة بنت الخطاب فلن ينجو خباب .
- - بالطبع فالكل مدرك خطر مجيء عمر وهم يتدارسون القرآن ويتعلمونه.
- - دخل عمر البيت وقد جن جنونه وبدأ يسأل عن الصوت الذي كان يسمعه ثم قال :لقد أخبرت أنكما تابعتما محمد على دينه .
- - وهم أن يبطش بسعيد ،فوقفت فاطمة الزوجة الوفية كالدرع الحصين ،تدفع عنه غضب أخيها ، ودون أن يتمالك نفسه صفعها صفعة فجرت الدماء من وجهها .
- - وعندها وقف سعيد بتحد كبير معلنا إسلامه ،لايخاف في الله لومة لائم قائلا له :نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ماشئت .
- - أما فاطمة الأخت الرقيقة ، التي أعطاها الله الثبات فقويت بالإيمان وقفت بوجه أخيها بكل جرأة قائلة له: وكان ذلك على رغم أنفك ياعمر .
- - دهش عمر مما سمع ورأى ،إلا أن حبه لأخته ورقته التي كان يخفيها خلف غلظته أوقفته وجعلته يستحي من نفسه أن يرى دماء أخته تسيل ويقف مكتوف الأيدي ،فما كان منه إلا أن بدأ بمسح الدماء عن وجه أخته .
- - ترى ماالذي جعل عمر يهدأ ، ومالذي جعله يرق لحال أخته على الرغم من أنها خرجت عن دينه ؟
- - ترى هل أذن الله أن يُعز الإسلام بعمر ؟
- - نعم لقد أذن الله، وهذا ماجعل عمر يسأل عن الصحيفة ويطلب أن يراها .
- - لكن كلام الله مقدس ، وإقامة شعائره من تقوى القلوب ،وتصميهم على الطاعة يبث فيهم القوة على الرغم من أنهم مازالوا مستضعفين ؟
- - ولذلك رفضت أن تعطيه الصحيفة قبل أن يتطهر ويغتسل وقالت له إنك نجس وأنه لايمسها إلا الطاهر ولذلك عليك الاغتسال .
- - لم يكن لعمر أن يقبل بهذه الصفعة لولا رحمة عظيمة خص الله بها عمر ، وسكينة أزفت تلامس قلب عمر، فأذعن وقام واغتسل ؛ وغسل معه رجس الجاهلية ودنسه، غسل معه غلظة وقسوة ليحل محلها إحقاق حق، وإبطال الباطل .
- - دخل عمر وخرج الفاروق .
- - ولما قرأ: { طه *ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى *إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا *الرحمن على العرش استوى * له مافي السماوات ومافي الأرض وماتحت الثرى * وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى * الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى *} طه ١-٨
- - نزلت هذه الآيات على قلب عمر كالماء السلسبيل الصافي ، وغسلت قلبه بالثلج والبرد .... فقال ما أحسن هذا الكلام ! ماأجمله !
- - نعم إنها لحظة تاريخية يُعَزّ فيها الإسلام
- - ويُذلُ فيها الشرك ، إنها آيات استطاعت أن تفعل المعجزات .
- - وعندما سمع خباب قول عمر خرج من مخبئه وقال :ياعمر ،والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ؛ فإني سمعته وهو يقول: " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمر بن هشام أو بعمر بن الخطاب " فالله الله ياعمر .
- - وذهب عمر بن الخطاب ليسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرق الباب فقال أحد الصحابة يا رسول الله عمر بن الخطاب بالباب متوشحاً سيفه، ولما دخل نهض إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وجذبه بشدة وقال له: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟، فقال له: يا رسول الله جئتك حتى أعلن إسلامي بين يديك، فكبر الرسول تكبيرا عرف منه الصحابة أن عمر بن الخطاب قد أسلم .
- - وكان إسلام عمر بن الخطاب صفعة قوية و ضربة قاصمة لقريش ورجالها، فقد أعلن عمر إسلامه على الملأ، وذهب إلى أبي جهل ، خاله الذي خرج لأجله يريد قتل محمد ،هاهو يخبره بأنه أسلم، ولم يعد بعد الآن ليكترث لماسيقوله أوسيفعله .
- - لقد انتشر خبر إسلام عمر بن الخطاب في كل مكة وذلك بعد أن أخبر جميل بن معمر بإسلامه ، استطاع جميل بن معمر أن ينشر الخبر في أرجاء مكة ، وهذا ماقصده عمر من إخبار ه بإسلامه .
- - وبعد ذلك طلب عمر من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب المسلمون للصلاة عند الكعبة فيها جهاراً نهاراً تحت سمع وبصر قريش، ولم يرض عن استخفاء المسلمين بصلاتهم في الشعاب.
- - وقد كان يوم إسلام عمر بن الخطاب من الأحداث المهمة ومن الأيام الفارقة في مسار الدعوة الإسلامية، كما كان من الأحداث الكبرى التي سعد بها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن يوم إسلام عمر بن الخطاب إن إسلام عمر بن الخطاب كان فتحا وإن هجرته كانت نصرا وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا لا نقدر على الصلاة عند الكعبة حتى أسلم عمر.
- - لقد ثقلت كفة المسلمين بإسلام عمر ،وكان إسلامه بمثابة فتح عظيم .
- رضي الله عنك ياعمر ، فإسلامك بداية لتبدل أحوال المسلمين ، فقد أصبحوا يظهرون عبادتهم وشرائعهم بلاوجل أو خوف.
- - كان هذا حال عمر ، وهكذا يجب أن يكون كل شاب قوي مؤمن اطمأن قلبه بالإيمان .
- - رضي الله عنك ياعمر ، و رحمك الله فاروقاً، أذهل العالم بقوته وعدله وتواضعه .
- وأخيرا: لاتنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
- - ودمتم بكل خير