-
* مقدمة :
-
من أوهام الإنسان ، التي توشك أن تكون جزءآ من فطرته ، ظنه بأن فكره شيء ولغته شيء آخر ، وحتى لتراه كثيراً ما يلجأ في تصوير العلاقة بين الفكر واللغة ، إلى التشبيه بالشراب والكأس ، أو بالثوب والبدن ، كأنما الفكر ينسكب في العبارة اللفظية كما ينسكب الماء في القدح ، أو كأنها اللغة يمكن أن تتعری عن الفكر ، فتكون كالجسد العاري ، لا يكتسي إلا إذا لبس ثوباً من أفكار ، وهذا الظن الواهم عند الإنسان ، تسمعه يقول عندما تصعب عليه العبارة : - " أن الفكرة في رأسي واضحة ، لكنني عاجز عن التعبير" .
-
* دلالة اللفظ :
-
وحقيقة الأمر هي ألا فکر عندي وعندك إلا ما قد ورد في لفظي ولفظك ، لا زيادة هناك ولا نقصان هنا ، بل وليس الأمر شيئين قد يتصلان وقد ينفصلان کما نشاء نحن لهما ، بل الذي هناك هو شيء واحد ألا وهو اللفظ ودلالته ... - فهو كالمصباح وضوئه ، وکالزهرة وعطرها ، فإذا وجدت غموضاً في قول قاله لك قائل ، فاعلم أن الغموض هو كذلك في فكره ، والعكس صحيح كذلك ، أي أنه إذا كانت الفكرة مضطربة في رأس صاحبها ، فلا بد أن تحجيه عبارته عنها بالدرجة نفسها من الاضطراب .
- وذلك الذي نقوله عن الأفكار العقلية ، لا ينفي قيام حالات في النفس ، تظل حبيسة في الصدر لا تجد لفظاً يخرجها ، أو قد تجد لفظاً ولكنه لا يفي بكل مضمونها ، كحالات الحب والكراهية والغضب والرضى وما إليها ، ومن هذا القبيل حالات عند المتصوفة أو عند العاشقين ، يحسونها ولا يملكون التعبير عنها تعبيراً كاملاً ، وواضح أن أمثال هذه الحالات شيء ، و الأفكار شيء أخر ، ونحن هنا إنما تقصر حديثنا على الفكر العقلي دون سواه .
-
* الإختلاف بين الفكرين :
-
هي نقطة نراها بالغة الأهمية في تصوير الوقفة العربية كلها ، مستندين في ذلك إلى اللغة وما تدل عليه ، وتلك النقطة التي أردنا عرضها في المقابلة بين النظر و التطبيق ، أو قل بين النموذج العقلي من جهة وأمثلته المادية من جهة أخرى ، أو بعبارة ثالثة بين الفكر والواقع ، وهما الطرفان اللذان يتمثل فيهما مذهبان من مذاهب الفلسفة الغربية ، لو ترجمنا اسميهما إلى العربية ترجمة حرفية كما يقولون لجعلناهما الفكرية و الشيئية . - فمذهب « الفكرية » : يرى أن الحقائق كلها أفكار وليست أشياء في عالم المادة ..
- على حين يرى مذهب « الشيئية » : أن تلك الحقائق هي « أشياء » أولاً قبل أن نصورها لأنفسنا بانکار .
- لكن الناقل العربي حين ترجم هذين الاسمين إلى لغته و اختار لها لفظتي المثالية و الواقعية وهنا نجعل محور الحدیث ..
-
* الفرق بوجهات النظر بين العربي والغربي :
-
إن الفرق البعيد بين الاسمين اللذين اختارهما الغربي لوجهتي النظر ، والاسمين اللذين اختارهما الناقل العربي ، إنما يصور فرقآ جوهرياً بين طريقة التفكير عند الغربي وعند العربي ، ويهمنا الإشارة إلى ذلك الفرق وتوضيحه ، ليرى العربي صورة عقله منعكسة على مرآة لغته ، فحين قابل الغربي بين « الفكرة » و « الشيء » فقد كان في الوقت نفسه يقابل بين نموذج رياضي بالغ الكمال ، وشيء في الطبيعة قد يقترب عن ذلك النموذج العقلي ، أو قد يبتعد عنه ، ففكرة « المثلث » مثلاً بأنه سطح مستو محوط بثلاثة خطوط مستقيمة ، يستحيل أن تجد ما يطابقها تمام المطابقة في المثلثات المجسدة في أشياء الطبيعة ، إذ مهما استوى السطح في تلك الأشياء ، ومهما استقامت الخطوط فلا بد ان يجيء دون الدقة التي للفكرة الرياضية عن المثلث ... - وما معنى ذلك ؟
- معناه ان العقل الغربي يضع نماذج كاملة ، ليسعى الإنسان في دنيا الأشياء أن يقترب من تلك النماذج ما استطاع .
-
* مقابلة بين المثال والواقع :
-
أما حين يجعل الشر المقابلة بين المثال والواقع ، فذلك يعني أمرین : - أولها : أنه في الحقيقة يقابل شيء بشيء ، لا فكرة بشيء ، وذلك لأن لفظة « مثال » وجميع المشتقات العربية من كلمة ( مثل ) ، إنما تشير إلى أشياء في هذه الدنيا الطبيعية ، ومع ذلك قولنا « تمثال » و « يتمثل » و « مثل بين يديه » و « ماثل أمامه » و « يضرب لكم الأمثال » اي يصور المعنى في تشبیه محسوس ، وهكذا ....
- فالمثال في معناه العربي هو الفرد الذي بلغ الكمال بالنسبة إلى بقية أفراد جنسه ..
- فمثال الحصان هو حصان من لحم وعظم كغيره ، لولا أنه بلغ الدرجة القصوى الممكنة...
- ومثال « الإنسان » فرد من الناس يجلس ويأكل وينام ، ولكنه بلغ الدرجة القصوى الممكنة بين الأناس ، وفرق بعید بين أن تجعل النموذج الأعلى فكرة رياضية كاملة ، وبين أن تجعل ذلك النموذج الأعلى فرداً كائناً بالفعل كبقية الأفراد ، ارتقى عنهم ، ولكنه قد لا يخلو من نقص .
-
* الخاتمة :
-
إن كلمة ( واقع ) من الوقوع ، أو الهبوط ، أو السقوط ۔ تحمل في طيها « قيمة » ، إذ تحمل معنی الإنحطاط والازدراء لما هو طبيعي وإذن فالمقابلة بين « مثال » و « واقع » هي : - أولاً - مقابلة بين شيء وشيء .
- وثانياً - تنطوي على ازدراء للشيئين معآ ، ومعنى ذلك هو أن الفكر العربي كما وضع نفسه في هاتين اللفظتين ، قد فصل فصلآ تامآ بين الطبيعة بكل ما فيها من كائنات أرقى وكائنات أحط ، وبين العالم العقلي ، فبات العقل عنده کیان تائه قائم وحده مستقل ، ليس من شأنه أن يهدي الكائنات الأرضية إلى التسامي ، و حقآ إن النهضة الفكرية إنما تبدأ من النهوض باللغة وطرائق استخدامها .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.
- الرئيسية
-
التصنيفات
-
مثال على الأدب العربي
- مثال على الأدب في العصر الجاهلي
- مثال على الأدب في العصر الأموي وصدر الإسلام
- مثال على الأدب في العصر العصر العباسي
- مثال على الأدب في العصر الأندلسي
- مثال على الأدب في العصور المتتابعة
- مثال على أدب البلدان
- مثال على الأدب في العصر الحديث و المعاصر
- مثال على النقد الأدبي
- مثال على الأدب المسرحي
- مثال على الخطابة
- مثال على الكتابة الأدبية
- مثال على أدب الأطفال
- مثال على الفروقات
- مثال على معاني المفردات و الكلمات
- مثال على منوعات في الأدب العربي
- مثال على القصص و الروايات
- مثال على الشعر العربي
- مثال على قواعد اللغة العربية
- مثال على مؤلفات وكتب
- مثال على التاريخ والحضارة
-
مثال على الإسلام والأديان
- مثال على علوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف
- الأدعية و الأذكار
- مثال على التفسير و التجويد
- الأخلاق و العبادات وتزكية النفس
- مثال على السيرة النبوية
- رمضان و الصوم
- الجنة و النار واليوم الآخر
- مثال على الفرق و المذاهب و الأديان
- مثال على علامات الساعة وعذاب القبر
- مثال على الفتاوى الإسلامية
- شبهات ومعتقدات خاطئة عن الإسلام
- مثال على العقيدة الإسلامية
- أحكام فقهية وشرعية
- معلومات دينية عامة
- معلومات دينية للأطفال
- الحج و العمرة
- مثال على تراجم القرّاء
-
مثال على المأكولات
- مثال على الأطباق الرئيسة
- مثال على أطباق منوعة من حول العالم
- مثال على أطباق سهلة وسريعة
- مثال على أطباق جانبية /مقبلات
- مثال على أطباق بالمكرونة
- مثال على أطباق للرجيم
- مثال على الحلويات
- مثال على السلطات
- مثال على المخبوزات /الفطائر
- مثال على المشروبات والعصائر
- مثال على أطباق بدون فرن
- مثال على الأطباق النباتية
- مثال على أطباق صحية
- مثال على الأطباق الغريبة
- مثال على ساندويتشات
- مثال على الشوربات
- مثال على أسئلة وأجوبة في المطبخ
- مثال على الطب و الصحة و الجمال
- مثال على العلوم
- المزيد...
-
مثال على الأدب العربي
- نبذة عنا
- سياسة الخصوصية
- الدخول إلى الحساب