- - كثيراً ما يقف العلماء حیاری تجاه بعض أسرار الكون ، وخبايا الحياة ، ذلك أن تلك الأسرار مثل البحار المتلاطمة وهي تكمن فينا ، أو تمتد حولنا بغير حدود ، فالحياة ذاتها لغز ، والسماوات لغز ، والموت لغز .. وأضف إلى ذلك ما شاء ، فقائمة الألغاز طويلة وعريضة ، ولا يدرك مغزى ذلك إلا كل من سعی للمعرفة سعيها ، فبقدر ما تتعمق فيها وتغوص ، بقدر ما تحتار وتغرق وتتوه ، لكنه - والحق يقال - أجمل وأمتع غرق للعقول الواعية .. لا اللاهية !
-
- لغز حير العلماء :
-
إن سلوك الطير هنا لغز حير العلماء أعظم حيرة ، ولن يتضح لنا ذلك ، إلا إذا عرضنا عليك جانباً من تلك الأمور المثيرة ، ونحن نعترف أن العلم لم يتوصل فيها إلى تعليل مقنع حتى الآن ، وكل ما قيل في هذا المجال ، ليس إلا من قبيل التكهنات التي لا يساندها دلیل .. -
- سلوك الطير اتجاه النمل :
-
تبدأ أحداث الظاهرة بطير يحط على الأرض ، حيث توجد تجمعات النمل ، فيلتقط بنقاره نملة ، ويفرد أحد جناحیه ، أو قد يفرد الجناحين معآ ، فهذا يتوقف على نوع الطير ، لأن للأنواع أمزجة - كما للبشر ، ويبدأ بتمرير النملة على مواقع منابت الريش الذي يستخدمه في الطيران ، وبعد أن ينتهي من ذلك ، يحدث أحد أمرين : - فأما أن يبتلع النملة ، وأما ان يلقيها أرضاً ، يتوقف ذلك أيضاً على نوع الطير ، ثم يلتقط نملة أخرى ، ويكرر العملية ذاتها على هذا الجناح تارة ، وعلى ذلك الجناح تارة أخرى ..
- ونملة من وراء نملة .. وهكذا قد تستمر العملية عشرات المرات !
- هذه الظاهرة المثيرة تنتشر بين أنواع الطيور المغردة أساساً ، فهناك حوالي مائتي نوع تدعك منابت ریش الجناحين بالنمل ، لكن الغريب أن أفراد النوع الواحد تختلف في المزاج ، بمعنى أن بعضها قد لا يستسيغ هذا « التمثيل » ، في حين أن البعض الآخر « ينمل » بعد ثلاثة أيام من خروجه من العش وتعلمة الطيران ، ويظل هكذا طيلة حياته ..
- والغريب أيضاً أن بعض أنواع طيور الزينة الحبيسة في الأقفاص قد لا تنمل إلا في آخر سنوات حياتها ، هذا ومن المعروف أن بعضها قد يعيشن لأكثر من 18 أو 20 عاماً ..
-
- رأي العلماء بذلك :
-
العلماء الذين درسوا هذا السلوك أوضحوا لنا أنه سلوك معد معنی أن طائر واحد في مجموعة قد يبدأ عملية الدعك بالنمل ، فإذا بها تنتشر بين الأفراد الأخرى کالعدوى ، أو قل أنه نوع من التقليد الذي يصبح بعد ذلك إدمانآ ، حتى ولو لم يكن هناك نمل ، لكن وجود النمل على أية حال يثير العملية أكثر ، ولهذا يصف لنا العلماء تلك الحالة بأنها : - تنطوي على منظر مثير ، وهو لايقل إثارة عن مجموعة من الحشاشين أو السکاری الذين جمعتهم جلسة خاصة يمرحون فيها ، وكأنما العالم كله عالمهم ، وكذلك تفعل الطيور بنملها ، فكأنما كل نملة في منقار بمثابة نارجيلة أو كأس شراب ، وبتكرار عملية التنميل ، تروح الطيور في حالة من الإثارة الغريبة ، فتتلوى وتنبطح على الأرض في أوضاع تثير الدهشة والعجب ، وكأنما هي تترنح على طريقتها الخاصة !
- _ الأغرب من ذلك :
- الشيء الأكثر غرابة أن هذه الطيور إذا أرادت أن تنمل ، فإنها تبدأ دائماً بجناحها الأيسر ، وبعد إتمام العملية ثلاث مرات ، تفعل الشيء نفسه بجناحها الأيمن مرة واحدة ، ثم تعود للأيسر لتكرر العملية ثلاث مرات ، وللأيمن بعد ذلك مرة واحدة ، وهكذا دواليك !
-
- تفسيرات تزيد الأمر غموضاً :
-
مثل هذه الأمور الغريبة قد أوقعت العلماء في حيرة ، ومن وراء ذلك أسئلة حائرة : - _ إذ ماذا يمكن أن يحتويه النمل من مادة أو مواد تجعل الطير يسلك معه مثل هذا السلوك الغريب ؟ ..
- _ ولماذا يدعك الجناح الأيسر ، أولاً ، وثلاث مرات بالذات ؟ ..
- _ وما هو السبب في أن بعض أفراد النوع الواحد تميل إلى التنميل وتدمنه ، في في حين أن البعض الآخر لا يقربه طيلة حياته ؟ .. الخ .
- إننا في الواقع لا نستطيع أن نتحدث مع الطير ، کما نتحدث مع البشر ، لنعرف حقيقة الخبر ، وحتى لو سألت مدمنآ من مدمني البشر عن سر إدمانه للتدخين أو المشروبات الكحولية ، أو تعاطي المواد المخدرة ، فإنك لا تحصل إلا على إجابات ساذجة غير مقنعة ، رغم علمه أن الإدمان ينطوي على أضرار ...
- لكن التنميل عند الطير لا يشكل على حياتها أية أخطار بل يبدو أنه يعطيها نشاطا وقوة وحيوية ..
- لكن ذلك على أية حال ليس تعليلآ مقنعاً ، إذ لو كان الأمر كذلك ، فما الذي يمنع الطيور الأخرى ومن نفس النوع من الإدمان على التنميل ليمنحها قوة كأترابها من هواة التنميل ؟؟
-
- لغز الطير مع النمل :
-
إن لغز الطير مع النمل من التحديات الكبيرة التي جابة دارسي سلوك الطيور والنمل على حد سواء ، ومع ذلك فقد قدم بعضهم أنماط من التفسيرات والتعليلات .. فمنهم من يقول : - 1_ أن النمل يحتوي على حامض عضوی مهیج ، وهذا الحامض يعرف باسم حامض النمليك ، وربما كان إجراء « حمام » بالنمل ، أو القيام بعملية تدليك أو دهان بالحامض الذي يفرزه ، ربما يؤدي إلى تخليص الطير من بعض الحشرات التي تلتصق عند منابت ریش الجناحين ، لكن هذا التعليل ليس صحيحاً ، بدليل أن بعض الطير الذي ينمل كان خاليآ من أية حشرات تدفعه للقيام بهذه العملية ، وحتى لو صح هذا التعليل ( الخاطىء ) ، فإنه لا يوضح لنا السر في معاملة الجماح الأيسر بالنمل ثلاث مرات ، في حين أن نصيب الجناح الأيمن مرة واحدة لا غير " ..
- _ آخرون يقولون :
- 2_ أن حامض النمل يقوي منابت الريش ، لكن يبرز هنا سؤال هام :
- ولماذا على الجناح الأيسر بالذات ؟ واذا كان صحيحاً ، فهل يعني أن الطيور تطير في مجالات تشبه الدوائر ، ولهذا تقوي جناحها الأيسر لتستخدمه بمعدلات أكبر من الأيمن . .
- - في الختام :
- نقول أنه لم يتوصل أيضاً الى اثبات ذلك ، لأن سلوك أفراد بعض أنواع عائلة الغربان لا تعطي هذا التعليل سنداً ، فلقد لوحظ أن الواحد منها إذا أراد حمامآ نمليآ ، فميا عليه إلا أن يحط على الأرض فوق عش للنمل الأحمر غالباً ، ثم يضع صدره قرب مداخل المستعمرة ، ويفرد جناحيه ، ويغمض عينيه ، ويثير النمل باهتزاز ریشه ، ويتركه يتجول أسرابآ على جسمه وجناحیه ، وربما كانت وخزات النمل « بإبره » المدببة الحادة ، وما ينساب منها من حامض مهیج ، ربما كانت بالنسبة له لذة وحبور ، فها يدرينا أن الشيء الذي يشقينا قد يسعد غيرنا ؟
- إن الجواب الذي حير الإنسان ، لا شك موجود عند الغربان ، واسألوها إن کنتم في أسرارها راغبين ، علها تفصح وتبين ما لا يستطيع له العلماء بيانآ ! .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.