- مدحت الملائكة أيوب بأنه مؤمن قانت ، في ماله حق معلوم للسائل والمحروم ، وأيامه عبادة لربه ، وشكر لنعمائه ، سمع إبليس قولهم ، ولم يكن محجوباً عنهم ، فساءه أن يكون رجل في الأرض يعبد الله كما يعبده أيوب ، وهمه في الأرض إغواء للصالح وإفساد للمؤمن ، فعاهد نفسه أن يثني أيوب عن عبادة الله ، فماذا فعل ؟
- وهل حقق الشيطان مراده ؟
- هذا ماسنعرفه في هذا المقال الشيق فتابعونا ..
-
- غيظ إبليس من عبادة أيوب في قصة أيوب عليه السلام :
-
خف الشيطان إلى يعقوب يغويه أو يضله ، فوجده يجول في حقول الثراء ، ولكنه لم يبطره الغنى ، فهو أبداً لاهج بذكر ربه ، فقال الشيطان لخالقه : " يارب ، عبدك أيوب الذي يعبدك ويقدسك ، ما يعبدك تطوعاً عن نفسه ، إنما يعبدك ثمناً لما منحته من مال وبنين ، وطمعاً في أن تحفظ له دنياه ، أليست هذه النعم جديرة بأن تعينه على شكرك ، وأن تحمله على عبادتك ، خشية أن يمسها الزوال ، فعبادته مشوبة بالرغبة والرهبة ، فانزع منه هذه النعمة ، فإنك تراه وقد خرس لسانه عن ذكرك ، وأعرض قلبه عن طاعتك " . - قال الله تعالى :" إن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان ، لا يعبدني إلا لما يراه من حق العبادة ، ولكن ، ليكون أيوب قبساً وهاجاً في الإيمان ، ومثلاً عالياً في الصبر واليقين ، قد أبحتك ماله وعقاره ، اجمع لهما جنودك وأعوانك ، وافعلوا بهما ما تريدون ، ثم انظروا ما تنتهون " .
-
- ابتلاء أيوب في ماله في قصة أيوب عليه السلام :
-
هم إبليس يجمع الشياطين من شيعته وأوليائه ، وأوحى إليهم أن الله رخص له في مال أيوب ، يذهب به ويفنيه ، ليعود أيوب مجرداً من ماله ، فانطلقت الشياطين ، وفعلت أفاعيلها ، حتى أنت على الغنم والإبل ، والأخضر واليابس ، وأصبح بعدها أيوب فارغ اليدين ، صفر الراحتين ، فجاء إبليس وتمثل لأيوب رجلاً حكيماً ، وقال له : - " إن النار قد أتت على ثروتك من قواعدها ، وذهب المال والنسب ، ووقف الناس أمام هذا مبهوتين ، من قائل يقول : ( إن أيوب ما كان إلا في غرور من عبادته ، وضلال من زكاته وصلاته ) ، وآخر يقول : ( لو أن الله استطاع دفع شر وجلب خير لكان أيوب أولى بذلك وأجدر ) ، ومن آخر يقول : ( إن الله لم يفعل ما أراد إلا ليشمت به عدوه ، أو يفجع فيه صديقه ) .
-
- صبر أيوب على الابتلاء في قصة أيوب عليه السلام :
-
ظن إبليس بما ألقاه من خبر فاجع ، أنه سيزحزح من إيمان أيوب ، ولكن أيوب كان أقوى إيماناً ، وأعمر بالتقوى قلباً ، قال : - " عارية الله استردها ، ووديعة كانت عندنا فأخذها ، نعمنا بها دهراً ، فالحمد الله على ما أنعم ، وسلبنا إياها اليوم فله الحمد معطياً وسالباً ، راضياً وساخطاً ، نافعاً وضاراً ، هو مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء " ، ثم خر أيوب لله ساجداً وترك إبليس خزيان ينظر !
-
- غيظ إبليس من صبر أيوب في قصة أيوب عليه السلام :
-
رجع إبليس إلى الله يحاول أن يحوك للشر ثوباً جديداً ، وقال : " يارب ، إن أيوب وإن كان لم يقابل النعمة إلا بالحمد ، والمصيبة إلا بالصبر ، فليس ذلك إلا اعتداداً بمن يعتز بهم من أولاد ، وإنه يطمع أن يشتد بهم ظهره ، فيرد إليه ما ذهب من ماله ، وإن سلطني على أولاده أفعل بهم ما يكره فأنا موقن أن أيوب سيصير أشد ما يكون كفراً وجحوداً ، فلا أشد من فتنة الولد ، ولا أحفظ للنفس من الفجيعة فيهم " ، فأجاب الله قائلاً :" لقد سلطتك على ولده ، ولكنك سوف لا تنقص ذرة من إيمانه ، أو تذهب بقطرة من صبره وعزمه " . -
- ابتلاء أيوب في أولاده في قصة أيوب عليه السلام :
-
انصرف إبليس ، ودعا إليه شيعته وحزبه ، وذهبوا إلى حيث يقيم ولد أيوب في قصر مشید ، فزلزل قصرهم ، ووقعت حيطانه ، وأصيبوا جميعهم ، وفنوا عن آخرهم . ولما بلغ إبليس ما أراد ، ذهب إلى أيوب متمثلاً في رجل ينعاهم ، وقال له : " لو رأيت أولادك اليوم قتلى مضرجين لعلمت أن الله لم يكافئك بعبادته ، ولم يرعك حق رعايتك " ، فاستعبر أيوب وبكى ، ولكنه قال :" الله أعطى ، والله أخذ ، فله الحمد معطياً وسالباً ، ساخطاً وراضياً ، نافعاً وضاراً ، ثم خر الله ساجداً " ، وترك إبليس يكاد يتميز من الغيظ ، ويتمزق من الحنق . -
- محاولة خبيثة من إبليس لأيوب في قصة أيوب عليه السلام :
-
رجع إبليس إلى الله يقول : " يارب ، لقد ذهب المال عن أيوب ، وفني الولد ، ولكنه لا يزال في عافية من بدنه ، وصحة من جسمه ، وإنه ليعبدك ، أملاً في أن يعود المال ويرد الولد ، ولكن سلطني على جسمه في أن أنال من عافيته ، وأنا زعيم أنه لو مسه الداء أن يهمل عبادتك ويشغل بأسقامه عن ذكرك " . - أراد الله أن يجعل من أيوب عبداً مؤمناً ، صابراً شاكراً ، تكون قصته عبرة للمصابين ، فقال لإبليس : " لقد سلطتك على جسده ، ولكن حذار أن تقترب من روحه ولسانه ، وعقله وجنانه ، فإن فيها سر إيمانه " ..
-
- ابتلاء أيوب في جسده في قصة أيوب عليه السلام :
-
ذهب إبليس ونفخ في أيوب ، فاستحال سقيماً مريضاً ولكنه ما ازداد إلا إيماناً ، وكلما ألح عليه الداء والسقم ازداد شكره ، وتقوى إيمانه ويقينه ... -
- زوجة أيوب في مصابه في قصة أيوب عليه السلام :
-
مرت الأيام وأيوب لا يزال على شكاته ، حتى هزل جسمه ، وذهب لحمه ، وأصبح شاحب اللون ، لا يقر على فراشه من الألم ، ففر عنه الصديق ، ورغبت عنه شيعته ، إلا زوجه الرءوم العطوف ، فإنها تحننت عليه ورقت عليه بجناحيها ، وما شكت إلا هموماً تساورها من آلامه ، ومخاوف تحذرها على حياته ، ولكنها ظلت أيام مرضه حامدة راضية ، مؤمنة محتسبة . -
- مشاورة إبليس لشيعته في قصة أيوب عليه السلام :
-
أما إبليس فقد أعياه أمر أيوب ، فجمع أعوانه مرة أخرى ، وشكا إليهم ما امتنع من أيوب ، فقالوا له : - " أين مكرك وحيلتك ، وتلطفك في الوسوسة ، بطل كل ذلك في أيوب " ، فقال أحدهم : " لقد أخرجت آدم أبا البشر من الجنة ، فمن أين أتيته ؟ " ، قال :" أتيته من قبل مرأته " ، فقال :" فشأنك في أيوب من امرأته " .
-
- إغواء إبليس لزوجة أيوب في قصة أيوب عليه السلام :
-
انطلق إبليس إلى امرأة أيوب ، وهي في بعض شأنها مع أيوب ، وتمثل لها رجلاً ، وقال :" أين زوجك ؟ " ، قالت :" هو هذا ، ضعيفاً يتضور من الحمى ، ويتقلب مما ألح عليه من الداء، لا هو بميت فينعى، ولا هو حي فيرجى" . - فلما سمع قولها طمع في إغوائها ، فأخذ يذكرها بما كان لزوجها في صدر شبابه ، وعضاضة إهابه من صحة وعافية ، فأعادت لها الذكرى الأشجان ، وأثارت لديها كوامن الأحزان ، ثم أخذ يدركها الضجر ، وينساب إلى قلبها اليأس ..
-
- تخلي زوجة أيوب عن زوجها في قصة أيوب عليه السلام :
-
ذهبت زوجة أيوب إليه ، وقالت : " حتى متى يعذبك ربك ! أين المال ؟ أين العيال ؟ أين الصديق ؟ أين الرفيق ؟ أين شبابك الذاهب ؟ أين عزك القديم ؟ " ، قال :" لقد سول لك الشيطان أمراً ! أتراك تبكين على عز فات ، وولد مات ! " .. - فقالت : " هلا دعوت الله أن يكشف حزنك ، ويزيح بلواك ! " ، قال : " كم مكثت في الرخاء ؟ " ، قالت : " ثمانين " ، قال : " كم لبثت في البلاء ! " ، قالت : " سبع سنين " ، قال : " أستحي أن أطلب من الله رفع بلائي ، وما قضيت فيه مدة رخائي ! ولكن يخيل لي أنه بدأ يضعف إيمانك ، ويضيق بقضاء الله قلبك ، ولئن برئتُ وأتتني القوة لأضربنك مائة سوط ، وحرام بعد اليوم أن آكل من يديك طعاماً أو شراباً ، أو أكلفك أمراً أو عناء ، فاعربي عني حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً " .
-
- دعاء أيوب لله تعالى في قصة أيوب عليه السلام :
-
لما رأى أيوب أنه قد أصبح وحيداً فريداً ، وقد اشتدت آلامه ، وتضاعفت أسقامه ، فزع إلى الله عز وجل وقال :( أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ )[ الأنبياء : 83 ] . - وإلى هذه الساعة كان أيوب قد بلغ غاية الإيمان ، وصمد لوسوسة الشيطان ، وبلغ ما أراد الله له من أن يكون مثلاً عالياً للصبر ، ورسولاً من رسل الإيمان .
-
- استجابة الله لدعاء أيوب وشفائه من السقم :
-
استجاب الله دعاءه ، وأصاخ لشكواه ، وأوحى إليه أن اركض برجلك ينفجر لك نبع الماء ، فاشرب منه واغتسل به ، تعود إليك صحتك ، وترد إليك قوتك ، فما شرب واغتسل حتى اندملت قروحه وبرئتجروحه ، وصح جسمه ، وصلح بدنه ، وعاد أكمل ما يرى صحة وعافية :( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ )[ الأنبياء : 84 ] . - ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )[ ص : 42 ] .
-
- عودة الحياة الكريمة لأيوب في قصة أيوب عليه السلام :
-
كانت زوجة أيوب قد رق قلبها له ، ولم تطاوعها نفسها الكريمة أن تتركه وشأنه ، وقد لزمته من أول مرضه ، وكانت من قبل قد شاركته في نعمائه ، فرجعت إليه تعاوده إصلاح شأنه ، والقيام بأمره ، فرأت عجباً ، رأت شاباً مكتمل الشباب ، مكتنز اللحم ، فأنكرته بادي الرأي ، ولكنها ما عرفته حتى عانقته ، وحمدت الله على مارد إليه من صحة وعافية ، ثم أوحى الله إليه أن خذ حزمة من القش ، واضرب بها زوجك ضرباً خفيفاً رقيقاً ، رخصة لك في يمينك ، ورحمة بهذه المخلصة المؤمنة ، التي احتملتك في مرضك وشاركتك في آلامك ، وجازاه الله على صبره ، فرد عليه ماله ، ورزقه ولداً أضعاف ولده ، إذ كان مثال العبد المؤمن الأواب :( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ )[ الأنبياء : 84 ] . - وصلنا إلى ختام هذه القصة الجميلة التي تعلمنا الصبر والمصابرة وتعطي عبرة لكل إنسان مبتلى ، فقد صبر أيوب على ذهاب ماله وعياله وصحته ، وظل صابراً شاكراً لله ، وكان مثالآ واضحاً للصبر .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.