- انقسم العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة إلى محورين رئيسيين ، يفصل بينهما برزخ من الفلسفات المتنافرة في القضايا الفكرية والإقتصادية والسياسية ، هما المعسكران الشرقي والغربي ، ويقع كلاهما في شمال الكرة الأرضية ، إلا أنه كان وما زال لكل معسكر حلفاؤه في أجزاء أخرى من العالم ..
-
* دول إفريقيا وآسيا سابقاً :
-
في بداية النصف الثاني من هذا القرن ، كانت معظم دول أفريقيا وآسيا ترزح تحت نير الإستعمار الغربي ، وبالتالي فقد كانت تابعة للمعسكر الغربي . - وكذلك الحال بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية ، التي كانت كلها تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية رغم استقلالها ...
- أما بالنسبة للمعسكر الشرقي ، فقد كان أهم حليف له حينئذ هو الصين الشعبية ، التي ما لبثت إلا قليلاً ودارت في فلك خاص بها ..
-
* التحرر الوطني بدول العالم الثالث :
-
مع نهاية الحرب العالمية الثانية أيضاً ، هبت رياح التحرر الوطني في دول العالم الثالث ، وبدأت معها عوامل انقسام جديد يقع محوره شمال خط الاستواء ، ولكنه يقسم العالم إلى جزأين غير متساويين ، يطلق عليهما الشمال الغني والجنوب الفقير ، مع ملاحظة أن استراليا ونيوزيلاندا تقعان جنوب خط الاستواء الجغرافي ، ولكنهما تنتميان إلى محور الشمال .. -
* الهوة العسكرية والإقتصادية بين الشرق والغرب :
-
لقد كانت الهوة العسكرية والإقتصادية التي تفصل الشرق والغرب ، واسعة جداً عند بداية انقسامها ، ولكن المعسكر الشرقي تمكن خلال سنوات قليلة من سد الفجوة العسكرية على الأقل ، وأصبح المعسكران اليوم متوازيين في ثقلهما ، وقدرة كل جانب منهما على تدمير العالم بأسره ... - أما الهوة التي تفصل بين الشمال المترف بمعسکریه الشرقي والغربي والجنوب البائس بما في ذلك الصين الشعبية ، فهي في اتساع مستمر ...
- وقد جاء في آخر تقرير للبنك الدولي للإنشاء والتعمير عن حالة الإقتصاد العالمي ( 1979 م) أنه يوجد اليوم في محور الجنوب مليون نسمة تعيش تحت خط الفقر المدقع ، وأن هذا الرقم في ازدیاد كل عام .
-
* رأي علماء الإقتصاد والفلاسفة بالهوة :
-
يجمع علماء الإقتصاد وفلاسفة علم الإجتماع ، على أن الهوة التي تفصل بين محوري الشمال والجنوب هي الاتساع ، بحيث لا يمكن سدها خلال سنوات أو - عقود من الزمن ، فمحور الشمال الذي يأوي 25 ٪ من سكان العالم يستحوذ على 75 ٪ من الدخل العالمي ، بينما يقطن في محور الجنوب حوالي ثلاثة آلاف مليون نسمة « 3 بلايين » تعيش على 20 ٪ من ذلك الدخل . وينجم عن هذه المقارنة المفزعة فوارق أخرى بين سكان الشمال والجنوب : - 1_ففي حين يصل معدل عمر الإنسان في الجزء الشمالي إلى 70 عام أو أكثر ، لا يزيد هذا المعدل في الجنوب عن 50 عام .
- 2_ كذلك لا تزيد نسبة الوفيات بين اطفال الشمال على 2 ٪ ولكنها تصل إلى 20 ٪ بين أطفال الجنوب .
- 3_ أما بالنسبة للتعليم فان 50 ٪ من أهل الجنوب لن تتاح لهم فرصة الإلمام بالقراءة والكتابة .
- 4_ بينما تتاح فرصة التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية على الأقل لجميع سكان المحور الشمالي ..
- 5_ وكما ذكرنا سابقاً فإن ما لا يقل عن 800 مليون نسمة من أبناء الجنوب يعيشون في مجاعة دائمة ، في الوقت الذي يندر أن ينام فرد شمالي ، وهو جائع ..
- 6_ فوق ذلك كله فإن الجنوب يعتمد على الشمال في صناعته وتقنياته واستغلال ثرواته .
-
* الحوار والمشادة بين الشمال والجنوب :
-
منذ ذلك التاريخ بدأ الحوار أحياناً ، والمشادة أحيان أخرى ، بين الشمال والجنوب أي بين أغنياء العالم وفقرائه ، وكعادة العلاقة بين الغني والفقير فقد كانت معظم المداولات أشبه بحوار الطرشان .... - ولكن دول الجنوب لم تيأس ، فقد أجمعت تلك الدول عندما عقد مؤتمر عدم الانحياز في سبتمبر 1973 م بمدينة الجزائر ، على المطالبة بتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد ، وأقرت عقد دورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في الربع الأول من عام 1974م ، لمناقشة أسس هذا النظام ، وكان الرئيس الراحل العقيد هواري بو مدين ، هو المتحدث الرئيسي باسم هذه الدول أثناء انعقاد تلك الدورة في شهر إبريل 1974 م. وفي نفس الوقت ظهر في أواخر عام 1973م ، لاعب جديد على مسرح الإقتصاد العالمي ، هو منظمة الأقطار المصدرة للنفط ، التي أخذت زمام المبادرة في تحديد أسعار هذه المادة ، التي نمت وتطورت اقتصادیات الشمال على أساس أسعارها الزهيدة ، عندما كانت الشركات العالمية هي المسيطرة على هذه السلعة في إنتاجها وتسعيرها وتسويقها .
- وتجدر الإشارة هنا إلى أن 86 ٪ من النفط المستخرج في العالم اليوم ، يتم حرقه في محور الشمال بينما يستهلك محور الجنوب 14 ٪ فقط من بترول العالم .
-
* قوة الدول المصدرة للنفط :
-
لقد كان للقوة الجديدة التي اكتسبتها الدول المصدرة للنفط ، أثر فعال في تحريك عجلة الحوار بين الشمال والجنوب ، فجميع هذه الدول تنتمي إلى محور الجنوب ، وقد تبنت جميعها الدعوة إلى إيجاد نظام اقتصادي عالمي جدید... - أما الشمال فقد أدرك لأول مرة ، أن مجموعة صغيرة من الدول النامية تمسك بمفاتيح تطوره وازدهاره ، وبالتالي فمن الأجدى له أن يبقى باب الحوار مفتوحاً ، إلا أن مواقف الطرفين ظلت متباينة تباينآ كبيراً ، ولعل ذلك التباين هو الذي حدا بالسيد روبرت مكنامارا رئيس البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، أن يقترح في خطابه الذي ألقاه أمام الإجتماع السنوي المشترك للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في سبتمبر ، تشكيل اللجنة المستقلة لقضايا التنمية الدولية ، برئاسة المستشار السابق لجمهورية ألمانيا الإتحادية ، ويلي برانت الذي قبل بدوره هذه المهمة ، وحرص على أن تتكون اللجنة من عدد متساوي من أبناء الشمال والجنوب ، ولكن الشمال في هذه اللجنة لم يضم مجموعة حلف وارسو ، كما أن الجنوب لم يشمل الصين الشعبية ..
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.