- كان هناك شاب يدعى أوريا التي تاقت نفسه إلى أن يكون زوجاً لشريكة يسكن إليها ، ويقوى بها أمره ، وقد صادف هواه ولم يطل ليل أوريا في البحث عن ضالته المنشودة ، وتحقيق حلمه الجميل ، فقد اجتمع بفتاة كريمة من فتيات قومه ( سابغ بنت شائع ) ، ذهب إلى أهلها ، فخطبها إليهم ، وهنا هدأ قلبه ، وراح قرير العين بارد الفؤاد ، جعل هذا الفتى بعد ذلك همه في أن يمهد السبل للحياة الهنيئة التي يود أن يحياها بجانب شريكته ، فصار يستعجل الزمن ، ويسترسل في شوقه وتلهفه لذلك اليوم الموعود ، يوم يجمع الله شملهما بعد الزواج .
-
- تلبية أوريا للجهاد في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
كان أوريا شاباً ، وعلى الشباب كذلك جزية يؤدونها قرباناً لوجه الوطن ، فعليه أن يدفع بنفسه وسط الجيش الزاخر الذي أعده نبي الله داود ، جهاداً في سبيل الله ، فلم يتوان ذلك الفتى المقدام عن تأدية حق الجهاد ، وكان يتردد في نفسه :أوليست ( سابغ ) خطيبته دون سواه ، وهي له وهو لها ، مهما يتطاول الزمن ، إذن فليقض حق الجهاد ، ثم ليرجع حيث يبني بحبيبة قلبه ، وطالت بالجيش أيامه ، واتسعت أمامه الغزوات ، وليس له إلا أن يصبر ، وأن ينسى في سبيل الحرب كل شيء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . -
- زواج سابغ في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
في تلك الغيبة الطويلة التي كتبت على ذلك الجندي الشجاع ( أوريا ) ، تعلقت أنظار داوود بهذه الفتاة المكتملة الرائعة ( سابغ بنت شائع ) ، ثم تعلقت رغبته بأن تكون زوجاً له ، فما تردد أن ذهب إلى أهلها يطلب إليهم القربى والمودة ، ومن هم هؤلاء حتى يردوا يد نبي الله الكريم ؟ أليس في ذلك الشرف لهم كل الشرف ؟ أليس أوريا قد طالت غيبته ؟ - وبهذه المعاذير تعلق آل الفتاة ، وزفوا بنتهم لنبيهم داود ، فعاشت معه عيشة كلها خير وكلها سعادة .
-
- أعمال داوود في حياته في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
قرت عين داود بزوجه الجديدة التي تعلقت بها نفسه ، وكان يتبع نظامه الذي شرعه لنفسه منذ حين من الدهر ، قد قسم الدهر أرباعاً : - 1 - واحداً لنفسه .
- 2 - ولعبادة ربه .
- 3 - وللفصل والقضاء بين الناس .
- 4 - ولبني قومه يعظهم ويرشدهم إلى سواء السبيل . هو لا يغير أنظمته تلك ولا يحيد عنها ، بل هو يسلك الطريق الذي يسوي بين تلك القسمة العادلة ، وهذا الحساب الحكيم .
-
- دخول الملائكة على داوود في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
- جاء رجلان لهما كل ما للرجال من خلقة وصفات ، إلا أنهما يختلفان عن رجال بني إسرائيل قوم داود ، فتقدما إلى الجند طالبين أن يدخلا على داود ، وذلك في غير وقت القضاء ومقابلة الناس ، فليس للحراس إلا أن يمنعوهما عن ذلك الحمى المنيع ، حتى يحين الوقت الذي يباح فيه لأمثالهما أن يتقدما بين يدي نبي الله الكريم ، ولكن سرعان ماعلم الجند أن هذان ملكين في صورة الناس ، وهما سيصلان حتماً إلى داود : ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ) [ ص : 21 ] . - - تسور الملكان المحراب ، ودخلا على داود ، ففزع منهما ، فقالا : ( إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴿22﴾)[ ص : 22 ] .
-
- حكم داوود بين الرجلين في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
استعد داوود للحكم بين الرجلين ، واستمع لجدالهما ، فإذا أحدهما يقول : ( إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴿23﴾) [ ص : 23 ] . - ولكن أخي امتدت به أطماعه ، فلم يقهر نفسه ، ولم يغالب هواه ، بل قال أعطنيها ، فلما ناقشته غلبني ، لأنه أفصح مني لساناً ، وأقوى حجة وبياناً .
- تلفت داود إلى الرجل الآخر ، فاستوضحه الأمر ، وسأله رأيه فيما يقول خصمه : فقال :" إن لي تسعاً وتسعين نعجة ، وله نعجة واحدة ، فأردت أن آخذها منه حتى تكمل نعاجي مائة " .
- فقال داود : " أوأخوك يكره ذلك ؟ " ، قال :نعم ! فاستشاط داود غيظاً ، وقال :" إذن فإنا لا ندعك ، وإن رمت ذلك ضربنا منك أنفك وجبهتك " .
- فقال الرجل : ياداود ، أنت أحق مني بهذا ! فقد كان لك تسع وتسعون امرأة ، ولم يكن لأوريا غير واحدة ومع ذلك امتدت رغبتك إليها وحرمته إياها ، ثم صارت لك زوجة ، ولم ترغ لعهده حقاً ولا حرمة ! " .
-
- إنابة داوود واستغفاره في قصة فتنة داوود عليه السلام :
-
تلفت داود بعد هذا القول الحكيم المنبعث عن نفس خبيرة بصيرة ، فلم يجد أحداً حوله ، فعرف سر الأمر ، وفطن إلى حقيقة الحال ، فاستغفر ربه ، وخر راكعاً ، وجاهد نفسه راغباً إلى الله تعالى في العفو والصفح والغفران ، فتاب الله عليه وغفر زلته ، وأبقى له منزلة الأنبياء المكرمين :( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ )[ ص : 24 ] . - حاسب الله داوود فألزمه الحجة ، حتى يوقن الناس أن الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وأنه يؤاخذ الناس جميعاً بأعمالهم ، سواء في ذلك عامتهم وأنبياؤهم ، ولا يغفل عن حق مظلوم أقعده ضعفه عن بسط ظلامته :( فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآب )[ ص : 25 ] .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.