- إن الحيوانات البرية والطيور تكره الدخان ، وتهرب من النار ، لكن لكل قاعدة شواذ ، وفي هذه الشواذ يتخبط العقل ، وقد لا يصل فيها إلى إجابة تريحه من عناء التفكير ، فبعض أنواع العصافير والغربان مدمنة تدخينآ ..
-
* ملاحظات في علم التاريخ :
-
من الملاحظات المثيرة في مجال علم التاريخ الطبيعي أن يتوجه عصفور أو غراب إلى مدخنة يتصاعد منها الدخان ، فتفرد جناحيها ، ومن حين لآخر تبدو وكأنما تملأ مناقيرها بالدخان ، ثم تتجه بها إلى الجناحين حيث توجد منابت الريش ، وتنفثه عليها بطريقة مثيرة ، والغريب أيضاً أنها تبدأ بالجناح الأيسر فتنفث فيه ثلاثآ ، ثم تتجه بعده إلى الجناح الأيمن ، وتنفث فيه نفثة واحدة ، ثم تعاود الكرة مرات ، وتستمر على هذا الحال لفترة قد تطول ، طالما لم يظهر لها في الأفق ما يزعجها عند قيامها بتلك الحركات المحيرة ! -
* تفسير موريس وروبرت للظاهرة :
-
يقص علينا كل من موريس وروبرت بيرتون في كتابها الممتع ( في داخل عالم الحيوان ) دائرة معارف السلوك الحيواني ، أن الناس في انجلترا خاصة ، وفي بعض البلاد الأوربية عامة ، كانوا يطلقون على بعض الطيور في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، اسم الطيور الحارقة أو طيور النار ، وترجع هذه التسمية إلى كون تلك الطيور تحمل في مناقيرها جمرات متوهجة ، وتهبط بها على أسقف المنازل المعروشة بالقش ، فتشعل فيها النيران ! - ( هذا يذكرنا بقصة الطير الأبابيل التي وردت في القرآن الكريم )
-
* الحقيقة في إشعال الطيور للنار :
-
الواقع أن أنواع هذه الطيور تقع أساساً ضمن العائلة الغرابية ، وهي تشمل الغراب النوحي ، وغراب القيظ ، والغراب الأعصم ، وغراب الزيتون ، والعقعق ( غراب أبقع طويل الذيل ) .. الخ ، وهناك حالات في عصرنا الحالي ثبت فيها أن مثل هذه الغربان قد تشعل سنة النيران حقآ ، ويجيئنا الدليل على ذلك من غراب نوحي مستأنس كان قد ربي وهو لا يزال فرخآ صغيراً في قفص ، وعاش فيه لمدة عشرين عاماً ، وتكيف بهذه الحياة ، فإذا طار هنا وهناك ، عاد إلى قفصه ليسكن فيه ، المهم هذا الغراب كان إذا رأى نار مشتعلة ، طار نحوها ليؤدی نفس طقوس التدخين التي سبق أن أشرنا إليها ، بمعنى أنه كان يواجه النار وهو مرتكز على الأرض بصدره ، وفاردآ جناحیه يرفرف فوقها ( وطبيعي أن جناحيه لا بد وأن يكونا مفرودین ) .. وفي أي الحالات كان ينتهز ظهور لسان من ألسنة النار المشتعلة ، فيبدو وكأنما يقضمها منقاره ، ثم ينفث . ماقضم تحت جناحه الأيسر أیضآ ثلاث مرات ، ومرة واحدة تحت جناحه الأيمن ، وطبيعي أن قضمة النار هنا ليس لها وجود ، لا في منقارة ، ولا تحت ، جناحیه ، إنما هيأ للغراب أنه يقضم النار ويوزعها تحت جناحيه بنفس الترتيب المعروف في التنميل أو التدخين ! -
* إدمان الغراب للعب بالنار :
-
ثم إن میل الغراب أو إدمانه اللعب بالنار قد اكتشف بالصدفة ، ثم تحقق بعد ذلك تجريبيآ على حد قول كل من موريس وروبرت بيرتون ، ففي الفترة التي عاش فيها هذا الغراب في الأسر ، استمتع « بالحمام الناري » مئات المرات ، إذ كان يوضع له في قفصه حزمة من القش ، وعندما يقدح عود الثقاب ليشتعل ، وقبل أن تتقدم به اليد إلى القش ، يكون الغراب أسرع في التقاط سر العود المشتعل بمنقاره ، ليمرره تحت جناحه المفرود عن آخره ، وكأنما هو بهذا العمل ينشد متعة وسعادة ! -
* رأي العلماء بالموضوع:
-
يذكر بعض العلماء الذين شاهدوا هذه الظاهرة أن الغربان تقوم بهذه الطقوس الخطرة ، وكأنما هي قد دربت عليها تدريبآ حسنآ ، وهي على أية حال لم تتلق أية تدريبات ، وكأنما هناك دافع غريزي يدفعها لذلك دفعآ أن هناك بعض البشر الذين دربوا أنفسهم على المشي فوق الجمرات وهم حفاة ، أو الذين ينفثون النار من « شفاهم » عن طريق دفع وقود سریع الاشتعال يحتفظون به في أفواههم ، ودون أن تحترق الأقدام أو الشفاه ، لكن ذلك بدافع کسب لقمة العيش ، أي أن السبب هنا معروف في حالة الإنسان ، وليس الأمر في حالة الغربان ! -
* السؤال المحير :
-
يبقى السؤال المحير دائماً : - لماذا تفعل أمثال هذه الطيور كل تلك الحركات الغريبة أي التنميل والتدخين واللعب أمام النار ، أو محاولة الإمساك بألسنة النيران من خلال مناقيرها ؟
- لا احد يدري يقيناً ، رغم أن الطقوس فيها جميعاً واحدة ..
- أي توجيه النمل والدخان والنار ( فرضاً ) تحت أجنحتها المفرودة ، ودائما تبدأ بالجناح الأيسر ثلاث مرات ، وبالأيمن مرة واحدة ، ومع افتراضنا أن الدعك بالنمل قد يكون له فائدة غير واضحة بعد في عقولنا ، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يعلل سلوك الطير مع الدخان والنار ، وكأنما هي تطيح بكل ما نعرفه من أصول علم المنطق !
-
* خاتمة :
-
أن هذا السلوك ربما كان شيئاً غريزيآ متوارثآ من قديم الزمن ، وربما كان له في الماضي فائدة تذكر ، لكن أحداً لا يستطيع أن يقدم ولو معلومة صغيرة عن المقصود بهذه الفائدة .. - ثم إن كلمة الغريزة في حد ذاتها شيء مبهم ، وهو لفظ بدیل لجهلنا ما كان ، وما هو كائن « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » .. ويبقى هذا اللغز المحير قائم قائمة الألغاز ، ما لم يتقدم عقل حکیم بطرح التعليل القويم ، والمدعم أيضاً بالبرهان والدليل ، وله الأجر والثواب على ما تعلم وعلم .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.