- شهدت الإنسانية حضارات يزيد عددها على العشرين ، وكان لكل حضارة فيها مذاق خاص ، وإلا لما تميزت من سواها ، ولابد أن تكون تلك الخاصة المميزة للحضارة المعينة ، هي التي عملت على نشأة تلك الحضارة وظهورها ، وذلك عندما كانت تلك الخاصة المميزة في عنفوان قوتها ، ثم لابد كذلك أن تكون تلك الخاصة نفسها عندما أصابها ضعف وفساد ، هي علة اندثار الحضارة التي تميزت بها ، وهذه كلها مقدمات واضحة بذاتها ، أو تكاد تكون كذلك ...
-
* ميزات الحضارة الإسلامية :
-
إن الخاصة التي ميزت الحضارة الإسلامية من سائر الحضارات، هي أنها أدارت رحاها على محور ( الأخلاق) .. - فإذا كانت حضارات أخرى قد أرست قواعدها في المقام الأول على « الفن » أو على « العلم » ، أو غير ذلك من أسس ، كالزراعة والتجارة أو الصناعة ، فإن الحضارة الإسلامية قد اختارت « الأخلاق » أساساً لها ..
- على أننا في هذه التفرقة ، لا يفوتنا أن الجوانب كلها قد تجتمع في كل حضارة على الإطلاق ، وذلك مقادیر تتفاوت هنا وهناك ، لكننا هنا إذ نميز الحضارة المعينة بخاصة ما ، فإنما تريد أن تكون تلك الخاصة ، أكثر من سواها ، ركيزة أولى يقام عليها البناء ، وبناء الحضارة الإسلامية رکیزته « الأخلاق » ..
-
* إيجاز القرآن الكريم :
-
نتأمل في هذه الآيات الكريمة من سورة الفجر : - « ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد ... »
- فأول ما يلفت النظر للوهلة الأولى ، بل ويلفته للوهلة الثانية ، والثالثة ، والعاشرة ، هو أن هذا العدد القليل من الآيات الكريمة ، قد أوجز لنا القول إيجازآ بليغاً ، في ثلاث حضارات سبقت ظهور الإسلام ، وهي حضارات ثلاث تشابهت كلها في أنها جعلت الفن أساسياً لصروحها ، وإن اختلفت بعد ذلك في نوع الفن التي اختارته كل واحدة منها ..
-
* وصف فن بناء قوم عاد :
-
فقوم ( عاد ) الذين عاشوا حضارتهم ، فما هو الآن الجزء الشمالي من الجزيرة العربية ، كانت براعتهم في فن بناء المدن ، وأقاموا مدينة ( إرم ) ، على نحو يذهل خيالك ذهولآ إذا قرأت شيئاً من تفصيلاته كما ذكرها المؤرخون ، فهي مدينة قوامها قصور شوامخ ، من ذوات الطوابق ، وکانت طريقتهم في بناء الطوابق العليا أن يقيموها على عمد ، والعمد بدورها تقام على أسطح الطابق السفلي ، لا على الأرض ، فكانت تلك العمد تبدو للقادم من بعيد وكأنها غابة كثيفة من الجذوع الصخرية العاتية ، وصدق الله العظيم في وصفها بأنها : - ( إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ) ..
-
* وصف قبيلة ثمود :
-
أما قبيلة ثمود فقد عاشت هي الأخرى في منطقة قريبة من موطن عاد ، وكان مقرها وادی صخري أوشكت حياة النبات وحياة الحيوان ألا تجد لها فيه مورداً للنماء ، فدارت براعتهم على فن النحت بصفة أساسية ، وحتی بيوتهم نحتوها في صخور الجبال كالكهوف .. -
* فرعون وحضارة مصر :
-
وأخير يأتي ذکر فرعون وما اختارته حضارة مصر يومئذ من فن المسلات والمعابد ، ( الأوتاد ) فليس هو فن المدن کما رأينا عند « عاد » ، ولا هو فن النحت کما رأينا عند « ثمود ، لكنه فن المعابد وملحقاتها ، وفيها ما فيها من قوائم ذات جبروت وشموخ .. - هي إذن حضارات قامت على « فنون » ، ولم يكن في ذلك ما يعاب لولا أنها قرنت فنونها تلك بطغيان ، أعني أنها أقامت فن عظيم في ذاته ، لكنها لم تدعمه بأخلاق التعاطف بین الإنسان والإنسان ...
- " الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * أن ربك لبالمرصاد " ..
-
* صور أخرى عن أخلاق السلوك :
-
نمضي في قراءة سورة الفجر ، فنقرأ أمثلة من أخلاق السلوك التي أعوزت حضارات الفنون من السابق ذكرها ، فهم لم يكونوا يكرمون اليتيم ، ولم يكونوا يطعمون المسكين ، وكانوا يأكلون التراب أكلآ لمآ ، ويحبون المال حبآ جمآ ... - وجاءت حضارة الإسلام لتكون أولاً وقبل أي شيء آخر ، حضارة أخلاق ، تعتمد على بناء الضمائر في الصدور ، قبل أن تعني ببناء مدينة في فخامة مدينة « إرم » ، أو براعة يبدونها في تشكيل الصخر العصي بيوتاً وتماثيل ، أو الإرتفاع بأوتاد الهياكل والمعابد ، فبالضمائر الحية التي ترسم لأصحابها كيف يكون التعامل الودود بين الناس ، تطمئن النفوس ، وإن سورة الفجر تختم آياتها بخطاب إلى النفس التي اطمأنت :
- " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي "..
- * وفي الختام نقول :
- للحضارة الإسلامية أن تضيف إلى نفسها فن ، وعلم ، وما شاءت أن تضيف ، لكنها إذا لم تمیز نفسها بركيزة الأخلاق ، فربما بقيت « حضارة لكنها لن تكون حضارة « إسلامية ».
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.
- الرئيسية
-
التصنيفات
-
مثال على الأدب العربي
- مثال على الأدب في العصر الجاهلي
- مثال على الأدب في العصر الأموي وصدر الإسلام
- مثال على الأدب في العصر العصر العباسي
- مثال على الأدب في العصر الأندلسي
- مثال على الأدب في العصور المتتابعة
- مثال على أدب البلدان
- مثال على الأدب في العصر الحديث و المعاصر
- مثال على النقد الأدبي
- مثال على الأدب المسرحي
- مثال على الخطابة
- مثال على الكتابة الأدبية
- مثال على أدب الأطفال
- مثال على الفروقات
- مثال على معاني المفردات و الكلمات
- مثال على منوعات في الأدب العربي
- مثال على القصص و الروايات
- مثال على الشعر العربي
- مثال على قواعد اللغة العربية
- مثال على مؤلفات وكتب
- مثال على التاريخ والحضارة
-
مثال على الإسلام والأديان
- مثال على علوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف
- الأدعية و الأذكار
- مثال على التفسير و التجويد
- الأخلاق و العبادات وتزكية النفس
- مثال على السيرة النبوية
- رمضان و الصوم
- الجنة و النار واليوم الآخر
- مثال على الفرق و المذاهب و الأديان
- مثال على علامات الساعة وعذاب القبر
- مثال على الفتاوى الإسلامية
- شبهات ومعتقدات خاطئة عن الإسلام
- مثال على العقيدة الإسلامية
- أحكام فقهية وشرعية
- معلومات دينية عامة
- معلومات دينية للأطفال
- الحج و العمرة
- مثال على تراجم القرّاء
-
مثال على المأكولات
- مثال على الأطباق الرئيسة
- مثال على أطباق منوعة من حول العالم
- مثال على أطباق سهلة وسريعة
- مثال على أطباق جانبية /مقبلات
- مثال على أطباق بالمكرونة
- مثال على أطباق للرجيم
- مثال على الحلويات
- مثال على السلطات
- مثال على المخبوزات /الفطائر
- مثال على المشروبات والعصائر
- مثال على أطباق بدون فرن
- مثال على الأطباق النباتية
- مثال على أطباق صحية
- مثال على الأطباق الغريبة
- مثال على ساندويتشات
- مثال على الشوربات
- مثال على أسئلة وأجوبة في المطبخ
- مثال على الطب و الصحة و الجمال
- مثال على العلوم
- المزيد...
-
مثال على الأدب العربي
- نبذة عنا
- سياسة الخصوصية
- الدخول إلى الحساب