- قد ذكر عالمنا المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد بحق أن ما حواه تراثنا الفقهي أو الفكري بعامة عن « أهل الحل والعقد » من آراء متعددة أنها تمثل اجتهادآ فردياً يعكس تصوراتهم لمهمة تلك الهيئة ..
-
* الفكر السياسي بين النظر والواقع :
-
يمكن أن يضاف إلى ذلك أن تفكير فقهائنا ومفكرينا كان إلى حد ما « نظریآ » وقت تدوينه ، فقد انحصر في « تنظير » تجارب صدر الإسلام وتقنينها ، نتيجة ما قام من فجوة في مجال الفكر السياسي الإسلامي بصفة خاصة بين النظر والواقع ، وبحكم عدم تبلور الفقه السياسي الإسلامي ، ونضجه بمثل ما حدث لأحكام العبادات والمعاملات مثلاً ، نتيجة ظروف خاصة بالمجتمعات الإسلامية ، إلى جانب ظروف عامة للمجتمعات الإنسانية ، حتى كان النمو الأخير للفكر السياسي والواقع السياسي في العصور الحديثة حين هيأت عوامل التغيير المناخ الملائم لهذا النمو ، بحيث بدت جمهورية أفلاطون » أو « سياسة أرسطو » فکرآ ساذجآ عتيقآ .. - وهكذا جاء تراثنا في مجال النظام السياسي إما في صورة صياغة فقهية للتجارب التاريخية المبكرة ، أو في صورة توجيه مواعظ أخلاقية للحكام ...
- ومن أمثلة النوع الأول :
- 1_ کتاب « الأحكام السلطانية » للماوردي ..
- ومن أمثلة النوع الثاني :
- 2_ كتاب « سراج الملوك » للطرطوشي ..
- ولعل ما بدا محاولة من فقهائنا لمواجهة تطور النظام السياسي للخلافة قد انحصر في محاولة صياغة الأحكام لما تحقق في الواقع من « إمامة الغلبة » أو « إمارة الإستيلاء » ...
-
* الوظيفة التشريعية في حدودها المقررة بالإسلام :
-
يبقى تحديد المقصود لدى فقهائنا بأهل الحل والعقد ، محاولة لها قيمتها علمياً وعملياً .. - ونتناول في هذا المقال ما ذكره الأستاذ الدكتور أبو المجد عن الوظيفة التشريعية في حدودها المقررة في الدولة الاسلامية ،وما أرتآه من اضطلاع أهل الإجتهاد بهذه الوظيفة ، وقد قرر أنهم هم الذين يمثلون الجماعة في ممارسة تلك الوظيفة ...
- ولم نتبين إذا كان هذا التمثيل مفترضآ ، أو أنه يتحقق بصورة من صور تعبير الجماعة عن إرادتها باختيار أفراد بذواتهم من الحائزين على مقومات الإجتهاد ..
- وقد ذكر الباحث أنه لا بد بطبيعة الحال أن يكون هؤلاء مؤهلين لتلك الممارسة ، بأن يكونوا حائزين على درجة من درجات الإجتهاد في استخراج الأحكام واستخلاصها من أدلتها ، وفي معرفة الواقع الذي تطبق عليه تلك الأحكام ..
-
* كيفية اختيار الإمام :
-
لقد ارتأى الأستاذ الدكتور أبو المجد ، أن يختص أهل الحل والعقد باختيار الإمام ، وله ملاحظة بارعة رائدة تذهب إلى أن تصوير الماوردی لهيئة أهل الحل والعقد يجعلها عظيمة الشبه بهيئة الناخبين الرئاسيين أو المندوبين المعروفة في انتخابات الرئاسية الأمريكية . وهو يشير إلى قول الماوردي : - « فإذا اجتمع أهل العقد والحل للإختيار :
- 1_ تصفحوا أحوال الإمامة الموجودة فيهم شروطها
- 2_ قدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته
- 3_ إذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الإجتهاد إلى اختياره ، عرضوها عليه ، فإن أجاب إليها بايعوه عليها ، وانعقدت ببيعتهم الإمامة ، فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته ، والإنقياد لطاعته ، وإن امتنع عن الإمامة ، ولم يجب إليها ، لم يجبر عليها ، لأنها عقد مراضاة ، واختيار لايدخله إکراه ولا إجبار ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها ...
-
* حالة التكافؤ والتنازع بين المستحقين للإمامة :
-
يعرض الماوردي حالة تكافؤ عدد من المستحقين للإمامة ، وحالة تنازع المتكافئين ، وطرق الترجيح کما يعرض لحالة انفراد المستحق للإمامة .. - وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لاتنعقد إلا بالرضا والاختيار ، ولكن يلزم أهل الإختيار عقد الإمامة له فإن اتفقوا أتموا ، لأن الإمامة عقد لا يتم الا بعاقد ..
- وقال بعضهم : لايصير المتفرد بالصلاحية للقضاء قاضياً بهذه وإن صار المتفرد ( أي بالصلاحية للإمامة ) أمامآ .. وفرق بينهما بأن القضاء نيابة خاصة ، يجوز صرفه مع بقائه مع على صفته فلم تنعقد ولايته إلا بتقليد مستنيب له ، والإمامةمن الحقوق العامة المشتركة بين حق الله تعالى و حقوق الآدميين ، لا يجوز الصرف من استقرت فيه إذا كانت صفته ، فلم يفتقر تقليد مستحقها مع تميزه إلى عقد مستثبت له ..
-
* ولاية العهد :
-
حتى بالنسبة لولاية العهد - إن وجدت - تظل مهمة أهل الحل والعقد قائمة ، فهم الذين يقبلون المبدأ والنظام ، وهم الذين يولون ولي العهد إماماً حين يتوف الإمام الذي كان قائماً وعهد إليه ... - يقول ابن تيمية :
- " وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بکر ، صار إماماً لما بايعوه وأطاعوه ، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بکر ، ولم يبايعوه ، لم يصر إماماً " ..
-
* كيفية تحقيق ولاية العهد :
-
يوضح الفقيه الحنبلي القاضي أبو يعلى : - أن عقد ولاية العهد ليس هو عقد الإمامة ، ولا يتم به بحال ، وإنما تتحقق الإمامة بعقد آخر لاحق هو عقد الإمامة نفسها ، يعقده أهل الحل والعقد ، إذا إرتأوا ذلك عند وفاة الإمام الذي كان قائماً ، وعهد إلى شخص معين ، ومن ثم فإن ولاية العهد عقد شخصي من الإمام القائم ، لا داعي لأن يدخل أهل الحل والعقد فيه لأنه مجرد ترشيح مسبق ، يجوز لصاحبه العدول عنه قبل وفاته ، وإنما تبدأ مهمتهم عند وفاة الإمام بالنظر في صلاحية المعهود إليه ، وعقد الإمامة له إذا ارتأوا ذلك أو عقد الإمامة لغيره إذا كان أولى بها وأنفع فيها .
- _ يقول أبو يعلى :
- ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده ، ولا يحتاج ذلك إلى شهادة أهل الحل والعقد في ذلك ولا بعضهم ... والدلالة على أنه لا يعتبر فيه رضا بعض الأمة أن عهده إلى غيره ليس بعقد للإمامة ، بدليل أنه لو صار عقداً له لأدى ذلك إلى اجتماع الأمامين في عصر وهذا غير جائز ، وإذا لم يكن عقداً للإمامة لم يعتبر فيه حضور عدد من أهل الحل والعقد ، وإذا عهد الإمام إلى رجل كان له أن يعزله قبل موته ، والدلالة عليه أن إمامة المعهود غير ثابتة مادام العاهد باقآ حيآ إماماً ...
- ويجوز عهده إلى من ينتسب إليه بولاية وقرابة إذا كان المعهود إليه على صفات الأئمة ، لأنه قد ثبت أن الإمامة لاتنعقد للمعهود بنفس العقد ، وإنما تنعقد بعهد المسلمين له ، فإذا كان كذلك فالتهمة تنتفي لأنه قد يختار ولايته لقرابته ولايختار المسلمون بعده فلا يصل إلى غرضه فانتفت التهمة ..
-
* اختيار الإمام وحده :
-
إن مهمة جماعة أهل والعقد في اختيار الإمام هي محل اتفاق ، ولكن .. - هل تنحصر مهمتهم في هذا فحسب ؟؟
- إن « الوظيفة التشريعية » أشمل وأوسع من أن تقصر على الجانب الشرعي أو القانوني ( الفني ) ، فإن لهذه الوظيفة طابعها السياسي ، الذي يحتاج لكفاية أهل الحل والعقد السياسية وخبراتهم الإجتماعية العملية .
- و تظل هذه الوظيفة في أيدي أهل الحل والعقد ، الذين قد يكون من بينهم علماء لما لهم من مقدمات اجتماعية أو سياسية أخرى ..
-
* في الختام نقول :
-
إن كثيراً من الأنظمة واللوائح والقرارات فيما ليس فيه نص شرعی قد يكون مبنياً على تحقيق المصلحة وسد الذريعة ، شأن الكثير من الإجتهادات المبكرة في عهود الصحابة والتابعين وتابعيهم وما إلى ذلك من مجالات الإجتهاد التي لا يقصر الرأي فيها على الفقهاء المجتهدين ، وإنما يطلب الرأي من كل صاحب رأی ومن كل منتفع بهذه الأنظمة والقرارات ومستفيد من تحقيق المصالح وسد الذرائع ، أو من ممثلي المنتفعين والمستفيدين وهم جمهور الأمة ... - ويكفي من اعهل الحل والعقد علم محدود بمبادىء الشريعة العامة وقواعدها الكلية ومقاصدها ، لكن يظاهر ذلك خبرات اجتماعية وكفاية سياسية لا ينبغي إهدارها .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.
- الرئيسية
-
التصنيفات
-
مثال على الأدب العربي
- مثال على الأدب في العصر الجاهلي
- مثال على الأدب في العصر الأموي وصدر الإسلام
- مثال على الأدب في العصر العصر العباسي
- مثال على الأدب في العصر الأندلسي
- مثال على الأدب في العصور المتتابعة
- مثال على أدب البلدان
- مثال على الأدب في العصر الحديث و المعاصر
- مثال على النقد الأدبي
- مثال على الأدب المسرحي
- مثال على الخطابة
- مثال على الكتابة الأدبية
- مثال على أدب الأطفال
- مثال على الفروقات
- مثال على معاني المفردات و الكلمات
- مثال على منوعات في الأدب العربي
- مثال على القصص و الروايات
- مثال على الشعر العربي
- مثال على قواعد اللغة العربية
- مثال على مؤلفات وكتب
- مثال على التاريخ والحضارة
-
مثال على الإسلام والأديان
- مثال على علوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف
- الأدعية و الأذكار
- مثال على التفسير و التجويد
- الأخلاق و العبادات وتزكية النفس
- مثال على السيرة النبوية
- رمضان و الصوم
- الجنة و النار واليوم الآخر
- مثال على الفرق و المذاهب و الأديان
- مثال على علامات الساعة وعذاب القبر
- مثال على الفتاوى الإسلامية
- شبهات ومعتقدات خاطئة عن الإسلام
- مثال على العقيدة الإسلامية
- أحكام فقهية وشرعية
- معلومات دينية عامة
- معلومات دينية للأطفال
- الحج و العمرة
- مثال على تراجم القرّاء
-
مثال على المأكولات
- مثال على الأطباق الرئيسة
- مثال على أطباق منوعة من حول العالم
- مثال على أطباق سهلة وسريعة
- مثال على أطباق جانبية /مقبلات
- مثال على أطباق بالمكرونة
- مثال على أطباق للرجيم
- مثال على الحلويات
- مثال على السلطات
- مثال على المخبوزات /الفطائر
- مثال على المشروبات والعصائر
- مثال على أطباق بدون فرن
- مثال على الأطباق النباتية
- مثال على أطباق صحية
- مثال على الأطباق الغريبة
- مثال على ساندويتشات
- مثال على الشوربات
- مثال على أسئلة وأجوبة في المطبخ
- مثال على الطب و الصحة و الجمال
- مثال على العلوم
- المزيد...
-
مثال على الأدب العربي
- نبذة عنا
- سياسة الخصوصية
- الدخول إلى الحساب