مثال على سمة البخل في عصر بني أمية والعصر العباسي

مثال على  سمة البخل في عصر بني أمية والعصر العباسي

  • لقد ظل البخل في عصر بني أمية نقيصة رئيسية تضع من قدر من يرمي بها ، وتؤلم المهجو بها أشد الايلام ، ولا سيما إذا كان من أشراف قومه ، ولا غرو فإن القيم الجاهلية الأصيلة ظل كثير منها حيآ في العصر الأموي ، ولا سيما في مجتمع البادية ...
  • * أطرف صور البخل :


  • من أطرف صور البخل التي أبدعها شعراء ذلك العصر ، هذه الصورة التي مثل بها الٱخطل بخل بني كليب ، رهط خصمه جریر :
  • قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم 
  •                          قالوا لأمهم بولي على النار 
  •  فقد جعل القوم لشدة بخلهم يسارعون إلى إطفاء نارهم إذا طرقهم ضيف ، وجعلهم يكلون إطفاء النار إلى أمهم ، وجعل نارهم من الضالة بحيث تطفئها بولة ..
  • * اختلاف الصورة بالعصر العباسي :


  • على أنه حين أطل العصر العباسي اختلفت صورة البخل في نتاج الأدباء عما وجدناها في نتاج سابقيهم ..
  • فالمجتمع العباسي غدا مجتمعآ حضريآ خليطآ من عناصر عربية وعجمية ، وللعجم عاداتهم التي تغاير عادات العربي ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر نرى أن هذا المجتمع سادت فيه قيم جديدة ، أفرزها تطور الحياة فيه ، فالمال غدا رکنآ أساسياً من أركان الحياة التي تعقدت مظاهرها وكثرت متطلباتها ..
  • * ظاهرة تفشي المال قبل العلم :


  • لم يعد المرء يقنع باليسير من المأكل والبسيط من الملبس ، واعنما همه أن يحقق لنفسه رغبات كثيرة متنوعة لا يحققها إلا توافر المال بين يديه ، وأصبح السعي وراء الكسب الوافر غاية أساسية في حياة الناس ، وإنفاق المال ينبغي أن يكون بحساب ، هذا فضلاً عن أن الكرم لم يعد منقبة يفخر بها إلا لدى طبقة من العرب الخلص المحافظين على تراث أسلافهم ، في حين ظهرت طبقة أخريغ ، جلها من غير العرب ، تفخر بتوفير المال وادخاره ، بل لقد وجد من يدافع عن البخل ، و يتخذه مذهباً يفاخر بها ..
  • * تصوير البذخ في كتاب البخلاء للجاحظ :


  • وفي كتاب البخلاء للجاحظ تصوير هذه الطبقة ، يعكس لنا صورة المجتمع الذي كانت تعيش فيه ، فسهل بن هارون ، كاتب العباسيين الذائع الصيت ، يضع رسالة في الدفاع عن مذهبه في البخل والاحتجاج له ، حتى أنه قدم المال على العلم ، لأن المال به يغاث العالم و به تقوم النفوس ، قبل أن تعرف فضيلة العلم ...
  • * كلام في البخل لأبي محمد الحزامي :


  • وأثر عن أبي محمد الحزامي كلام في البخل :
  • « وهو أحد من ينصره ويفضله ويحتج له ويدعو إليه » ...
  •  وكان إذا قيل له : أنت بخيل ؟ ..
  • أجاب : لا أعدمني الإسم ، لأنه لا يقال فلان بخیل إلا وهو ذو مال ، فسلم إلي المال وادعني بأي اسم شئت ، والمسجدیون من أهل البصرة كانوا يرون أن مذهبهم في البخل بمثابة النسب الذي يجمع بينهم ..
  • * وصف الجاحظ :


  • ويصفهم الجاحظ فيقول : 
  • " اجتمع ناس في المسجد ، من ينتحل الإقتصاد في النفقة ، والتئمير للمال ، من أصحاب الجمع والمنع ، وقد كان هذا المذهب عندهم كالنسب الذي يجمع على التحاب ، وكالكلف الذي يجمع على التناصر ، وكانوا إذا التقوا في حلقهم تذاكروا هذا الباب وتطارحوه وتدارسوه التماسآ للفائدة واستمتاعآ بذكره ..
  • * بخل أهل خراسان :


  • وكان أهل خراسان المشهورون ببخلهم يرون أن الجود إنما يكون بالكلام لا بالفعال ، وكان المروزي يقول للزائر إذا أتاه ، وللجليس إذا طال جلوسه : 
  • تغديت اليوم ؟ 
  • فإن قال نعم ، قال : لولا أنك تغدیت لغديتك بغداء طيب . 
  • غوان قال لا . قال : لو كنت تغدية ، لسقيتك خمسة أقداح ، فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير ...
  • * قصة طريفة رواها الجاحظ :


  • ومن أطرف ما رواه الجاحظ من أخبارهم قصة المروزي الذي كان كلما قدم العراق ينزل على تاجر من أهلها فیکرمه کرم كثير ، ويدعوه إلى زيارته ليكافئه على صنيعه ، ثم عرضت للبغدادي حاجة في مرو بعد هر ، فلما قدم على صاحبه المروزي أنکر معرفته به وقال له بعد أن خلع عمامته وقلنسوته وقناعه ليعرفه قولته ذاعت بعده : 
  • ( لو خرجت من جلدك لم أعرفك ) ..
  • * محدثوا النعمة :


  • وجد في العصر العباسي طبقة ترى أن البخل ليس نقيصة يعاب بها المرء ، وإنما هي فضيلة يعتزون بها , وهذا التطور في النظرة إلى البخل مرده إلى تغير بنية المجتمع عصرئذ ، على أن البخل في العصر العباسي لم يكن يقصد به دائماً الضن بالمال والقوت ، وإنما وجدت له صورة أخرى ، فقد ظهرت طبقة من الأثرياء المحدثي النعمة جمعوا أموالهم بشتى السبل ، وأراد هؤلاء أن يظهروا بمظهر أهل النعمة ، وسراة القوم ، فكانوا يدعون الناس إلى موائدهم ، ولكن وضاعة أصلهم وفطرتهم المبنية على الجشع والبخل ، كل ذلك كان يدفعهم إلى أن يسلكوا خلال هذه المأدب سلوكاً ينم عن بخلهم الأصيل ، فمنهم من كان يتظاهر بالشبع ، والناس بعد في أول طعامهم ، ليصرفوهم عن الأكل ومنهم من كان يسأل احد مدعويه المشهور بشدة الاكل عن حديث طويل يشغله عن الطعام ، إلى غير ذلك من الوسائل والحيل التي تحدث عنها الجاحظ في كتابه الطريف ..
  • * الحاح الشعراء على جانب البخل بالطعام بشعرهم :
  • من هنا وجدنا بعض الشعراء في أهاجيهم للبخلاء يلحون على جانب البخل بالطعام ، ويديرون هجاءهم على الرغيف ، وأبرز من نجد في شعره هذه الظاهرة أبو نواس ، فقد أولع بهجاء طائفة من البخلاء ، الذين ضنوا عليه بما كان يرجوه منهم ، وكان مدار حديثه في هجائه لهم على الرغيف دائماً ، فهو يقول في هجاء أحدهم : 
  • فتى لرغيفه قرط وشنف 
  •              وخلخالان من خرز وشذر 
  • إذا فقد الرغيف بكى علیه 
  •              بكا الخنساء إذ فجعت بصخر 
  • ودون رغيفه قلع الثنايا
  •              وحرب مثل وقعة يوم بدر 
  • الخاتمة:


  • هذه الجوانب من أدبنا صورت نقيصة البخل ، وهي تعكس نظرة المجتمع إلى هذه الآفة ، واختلاف هذه النظره باختلاف الأعصر والبيئات.
  • - وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
    لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
    ودمتم بكل خير.