- - العوامل المختلفة في الإبداع الفني ودور الموهبة في الإبداع الفني:
- - ثمة شرط لا غنى عنه لكل نشاط فني وهو توافر القدرة الخاصة التي نسميها موهبة ، وهذه لا تكتسب اكتسابا بل تكون في فطرة الفنان .
- - الموهبة هي الأمر الرئيسي أما العاطفة والفكر والتعليم فاهميتها في المرتبة الثانية .
- - من هنا لا نستطيع القول إن فلانا ولد معلمة أو طبيبة ولكن يمكن أن يولد شاعر أو موسيقي ...
- - إن للموهبة دور هام في سائر النشاطات البشرية غير أن أهميتها في الفن أكبر من أي مجال آخر فإن أشكال النشاط الإنساني الأخرى تعتمد على آلية نفسية واحدة هي التفكير المنطقي المجرد العقلي الذي يتصف به أي إنسان.
- - ولعل في بنية الدماغ ميلا طبيعيا إما لعمليات التفكير المنطقي التحليلية المشخصة النشاطات العملية وإما للحيازة الفنية ، وإن كانت الحيازة الفنية تدخل التفكير المنطقي في مجرى نشاطها فهي لا تجعل منه الأساس النفسي الرئيسي لها.
- - كون المرء فنانا يعني امتلاكه تلك القدرة الفطرية على التفكير في الصور الحسية والتقاط العالم شعرية فنية واستيعابه وتقويمه وصياغته ، ولاشك أن البنية الفيزيولوجية النفسية للموهبة الطبيعية قد أثرت في كون تولستوي روائية ، و بيكاسو رسامة ، لكن من الخطأ اعتبار التفكير المنطقي حصة غالبية الناس والتفكير الفني مقصورة على بعض الأفراد.
- - في الواقع إن نمطي التفكير موجودين لدى البشر بنسب مختلفة.
- - إذا الموهبة الفنية لا تدل على ارستقراطية الفكر و القول أنها تخص النخبة لا العامة التي تعيش مكتفية بالعقل السليم والقبول بذلك من المحال استيعاب الحياة شعرية أو فنية من قبل عامة الناس.
- - إن القدرات والمواهب المختلفة بما فيها الفنية تغفو في أعماق الجماعة الشعبية والدليل الإنتاج الفني الشعبي الذي أعطى الإنسانية روائع فنية.
- - نحن نعرف اليوم كم هي كثيرة تلك المواهب التي اختفت قبل أن ترى النور بفعل العوائق الاجتماعية والتاريخية التي حالت بين الشعب والثقافة.
- - إذا الموهبة لا تقاس بأبعاد نفسية فحسب ، بل بأبعاد اجتماعية أيضا.
- - مهما كان دور الموهبة كبيرا في الخلق الفني فهي وحدها لا تفسر خصائص المحتوى الفني في الأثر الفني.
- - ولاشك أن هنالك مجموعة من العوامل لها أهمية في الخلق الفني
-
- تجرية الفنان:
- - قال أحد كبار الأدباء إن على الفنان أن يعرف الحياة كما لو أنه هو الذي صنعها.
- - إن معرفة الواقع والحياة تظل عنصرة لايمكن إغفاله في عالم الفنان الروحي.
- - إن كل التأليفات الخيالية هي في آخر تحليل انعكاس لعلاقات الحياة الواقعية ، بل إن أغرب الأحلام وبعدها عن الواقع مشبع ببخار الأرض والحياة.
- - ومعرفة الحياة ليست مجموعة معلومات بل بالدرجة الأولى معرفة الإنسان كلما كانت معرفة الفنان للحياة أشمل وأعمق كان دور الموهبة وتأثيرها أعظم ، معرفة الفنان للحياة يمكن أن تتحول إلى طاقة فاعلة واقعي ، إن معرفة الفنان هي ذوق بطعم الحياة.
- - وهذا هو سر ميل الفنانين إلى كتابة سيرتهم الذاتية ، ولا يمكن فصل خبرة الفنان الحياتية عن موقف الفنان الفكري ودوره في الإبداع.
-
- موقف الفنان الفكري ودوره في الإبداع:
- - إن نظرة الفنان السياسية والدينية والأخلاقية والفلسفية والجمالية تمثل نظرة إلى العالم وهذه النظرة تتكون في مجرى حياة الفرد وتحمل دائما طابعة اجتماعية وايديولوجيا.
- - الكل فنان نظرته إلى العالم التي تؤثر في نشاطه المبدع وموهبته ، ومهما اعتبر النشاط الفني تشاط حدسية تلقائيا فلا شك أن للوعي وللعقل رقابته ودوره الذي لايمكن إهماله ، والحدس يكون أرقى تطورا كلما كانت خبرة الإنسان أغنى ومعارفه حول الموضوع أوسع.
- - بهذا المعنى نقول : إن الحدش لا يتعارض تعارضا مطلقاً مع الوعي والعقل ۔ تأثير التربية الاجتماعية لا يقتصر على الأحداث الواعية بل يمس أيضا طبقات النفس العميقة ويترك أثره في الدوافع اللاواعية للسلوك البشري.
- - من هنا فالخلق الفتي هو وحدة من الوعي واللاوعي ، يتجلى الوعي في نظرة الفنان إلى العالم وإحساسه به ، والنظرة إلى العالم هي ثمرة التفكير المنطقي وكيان فكزي ايديولوجي أما الإحساس بالعالم ظاهرة نفسية اجتماعية داخلة في نطاق الوعي اليومي.
- - النظرة إلى العالم لا تؤثر على عملية الخلق إلا عبر الإحساس بالعالم ، والإحساس بالعالم ينتمي إلى الوعي اليومي وأهميته في نساط المفكرين تختلف عنها لدى الفنانين المفكر يفصح بتأملاته وآرائه مباشرة في نظرته إلى العالم وليس عن إحساسه إلا بنحو غير مباشر ، في حين يتجسد ابداع الفنان وإحساسه بالعالم على نحو مباشر والنظرة إلى العالم لا تؤثر على عملية الخلق الفني إلا عبر الإحساس بالعالم ثمة فروق كبيرة بين الأنواع الفنية المختلفة في صياغتها للعلاقة بين النظرة للعالم والإحساس به ، فبعض الأنواع لايمكن أن يعبر فيها الفنان عن نظرته إلى العالم إلا عبر إحسانسه ( الموسيقى ، الرسم ، الشعرا وفي أنواع أخرى تجد النظرة إلى العالم مجالا أكبر للظهور في الأثر الفني الأدب ، الشعر ... ).
-
- لماذا يتعارض أحيانا محتوى الأعمال الفنية مع موقف الفنان الإيديولوجي؟!
- - لقد كانت اقتناعات " غوغول " الدينية والسياسية رجعيته ، وكان يتوخى في الأرواح الميتة اصلاح النظام غير أن هذه الرواية كانت أشبه بمعول يهدم النظام بلا رحمة وبلا هوادة.
- - وكان لها دور تنويري في أوساط المثقفين الروس، ليس من الصحيح القول بأن الصراع ينشب بين الوعي و واللاوعي والتفكير والحدس بل إنه ينشب في داخل موقف الفنان أو في صورته الفكرية ، والعالم وينعكس من جراء ذلك في الخلق الفني.
- - وأعمال ( تولستوي ) مثال حي على التناقض داخل اقتناعاته الدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية وحالة الصراع هذه لم تظهر في الأفكار التي يقدمها تولستوي مباشرة بل في سلوك أبطال روايته وصراعهم الدرامي وكلماتهم وموقفه منها.
- - إذا كانت الآراء السياسية تلعب دورا حاسمة في نشاط رجل السياسة فإنها لا تلعب نفس الدور في نشاط الفنان الذي يكون الدور الحاسم فيه نشاطه يع الجمالية المتصلة مباشرة بموهبته.
-
- لماذا اختار بلزاك الرجعي الطريقة الواقعية ؟
- - من الواضح أن الطريقة الواقعية لا تتفق دائما مع الآراء السياسية والأخلاقية والدينية .
- - كما إن آراء الفنان التقدمية السياسية الاجتماعية الفلسفية قد تندمج أو تتداخل مع مبادئ جمالية لا تلائمها تماما.
- - إن هذه مسألة معقدة وليس من السهل التحدث بصورة قطعية عن ملائمة الموقف الإيديولوجي للموقف الجمالي أو عدم ملائمته له ؛ فليس ثمة إجابة تامة عن هذه المسألة ، لعله من طبيعة الحياة ألا توفر أوضاع انسجام تام إلا في النادر والفنان يطمح إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من هذا الانسجام بين أفكاره وعواطفه وبين موقفه الجمالي وموقفه السياسي.
- - لكن هذا الأمر يبقى متعلق بخصائص وطبيعة العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في صياغة كل فرد لنظرته إلى العالم وإحساسه به.
- - إن الانسجام بين النظر إلى العالم والإحساس به أمر مرهون بالدرجة الأولى بالتحرر من الشقاق الاجتماعي.
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.