- أرض الرافدين (الحياة الفاضلة الفضيلة الكبرى والطاعة):
- - الشيء الطبيعي أن تبدو الطاعة في حضارة ترى الكون كله على صورة دولة كفضيلة کبری ، لأن الدولة مبنية على الطاعة والخضوع للسلطة .
- - فلا عجب أن نرى أن الحياة الفاضلة في أرض الرافدين كانت الحياة الطبيعية ، حيث يقف الفرد في المركز من دوائر متلاحقة من السلطة تحدد حرية عمله ونشاطه وكانت أقرب وأصغر هذه الدوائر تتألف من السلطات التي ضمن أسرته أبيه وأمه ، وأخيه الأكبر وأخته الكبرى .
- - وبحوزتنا نشيد يصف عصراً ذهبياً قادماً يتميز بأنه عصر الطاعة : يوم يحجب المرء عن السفاهة إزاء غيره ، ويكرم الأبن أباه يوم يبين الاحترام جلية في البلاد ويبجل صغير القدر الكبير يوم يحترم الأخ الصغير أخاه الكبير ويرشد الولد الأكبر الولد الأصغر ويمتلك الأخير بقراراته ويوصي العراقي القديم دائما بأن اسمع كلمة أمك كما تسمع كلمة إلهك احترم أخاك الأكبر .
- - اسمع كلمة أخيك الأكبر كما تسمع كلمة أبيك ، ولا تغضب قلب أختك الكبری وما طاعة المرء للأفراد الذين يكبرونه سن في العائلة إلا البداية ، فوراء العائلة دوائر أخرى ، وسلطات أخرى الدولة والمجتمع.
- - فثمة المراقب حيث يعمل الفرد وثمة المشرف على الأعمال الزراعية التي يشترك فيها المرء ، وثمة الملك وكلهم يطالب بالطاعة المطلقة .
- - والعراقي القديم ينظر إلى الجمهور الذي لا قائد له نظرة الأستياء والشفقة ، ونظرة الخوف أيضا ، الجنود بلا ملك غنم بغير راعيها وإذا كان الجمهور بلا قائد ينظمه ويوجهه ضائعة حائرة كقطيع من الغنم دون راع فإنه أيضا شيء خطير .
- - قد يكون مدمراً كالمياه التي تحطم سدودها وتغرق الحقول والبساتين إذا لم يتداركها مفتش الري بصيانة السدود ، والعمال بلا مراقب کالمياه بلا مفتش ري .
- - ثم إن الجمهور الذي يعوزه القائد والتنظيم لا يجدي ولا ينتج كحقل لا ينمو الزرع فيه إذا لم يحرث ، الفلاحون بلا مشرف كحقل بلا حارث .
- - ولذا يستحيل وجود عالم منظم إذا لم تفرض عليه السلطة العليا إدارتها ، والفرد هنا قال أن السلطة دائما على حق أوامر القصر كأوامر ( آنو ) لا تستبدل ، كلمة الملك حق ونطقه كنطق الإله لا يغيره شيء .
- - وفضلا عن دوائر السلطة البشرية من عائلة ومجتمع ودولة للحد من حرية الفرد هناك دوائر السلطة الإلهية التي لا يجوز له أن يتخطاها .
- - وهنا نجد روابط ولائية بعضها وثيق وبعضها واه ، فروابط الفرد بكبار الآلهة في الألف الثالث ق.م.
- - روابط نائية لأنه يخدمهم لا بصفته فردا معينا بل بصفته عضوا في مجتمعه إنه يعمل كأحد المتفرجين ، ولكن نادرا ما يتمتع رقيق الأرض بعلاقة حميمة بسيده
- - وهكذا فإن الفرد في هذه البلاد لا ينظر إلى الآلهة الكبار إلا كقوة نائية ليس له أن يتفرج إليها أو يتضرج إليها إلا في الشديد من الأزمات ، ولا يفعل ذلك إلا عن طريق الوسطاء ، أما العلاقات الشخصية الوثيقة علاقات الفرد بالسلطات التي في عائلته من أب وأم وأخ وأخت أكبر منه فلا توجد إلا بينه وبين إله واحد فقط ، إلهه الشخصي .
- - ومن عادة الإله الشخصي أن يكون إلها صغيرة يعتني بعائلة ذلك الشخص عناية خاصة فهو أقرب ما يكون إلى تشخيص حظ الفرد ونجاحه في الحياة.
- - إن اعتقاد ما بين النهرين بالإله الشخصي إنه القوة الكامنة وراء فلاح الإنسان ظاهره ليس بمقدور الإنسان بلا إله شخصي أن يكسب خبزه ولا بمقدور الغني أن يحرك ذراعه ببطولة في المعركة أي أنك لن تحظى بالنجاح إلا إذا خططت للمستقبل وعندئذ يكون الهلك معك .
- - وبما أن الإله الشخصي هو القوة المسببة لنجاح أعمال الإنسان فمن الطبيعي أن يتحمل أيضا المسؤولية الأدبية في مثل هذه الأفعال .
- جزاء الطاعة :
- - لما كانت نعمة الطاعة هي جوهر الحياة الفاضلة فيما بين النهرين ما الذي كان الإنسان يرجوه من خير بتمسكه بحياة الفضيلة ،
- - إن الجواب إلى ذلك نعطيه بصيغة تتفق ونظرة البابلي القديم إلى الدنيا وتتفق ومنزلة الإنسان في الدولة الكونية فنحن نذكر قد خلق ليكون عبدا للإلهة ، إنه خادمهم وللخادم المجتهد المطيع أن يلجا إلى سيده في طلب الحماية كما أن للخادم المجتهد المطيع أن يتوقع الترقية والمكافاة من سيده .
- - أما الخادم الكسول الغير مطيع فلا أمل منه في شيء .
- - طريق الطاعة والخدمة والعبادة هي طريق التمتع بالحماية وهي كذلك الطريق إلى النجاح في الدنيا وأسمى القيم في الحياة البابلية الصحة والعمر الطويل والمركز المرموق بين الجماعة والأبناء الكثر والثراء .
- - عندما ننظر إلى الكون البابلي من ناحية ما بوسع الفرد أن يغتم لنفسه يضحي الإله شخصية محورية فهو الصلة بين الفرد وبين الكون وقوامه،
- - وذلك لأن الإله الشخصي ليس بالنائي الرهيب ككبار الآلهة بل هو دان أليف كثير الاهتمام أن يخاطبه ويلتمس إليه ويستثير عطفه وباختصار للمرء أن يستخدم معه كل الوسائل التي يلجأ إليها الطفل مع والديه.
- - ويمكن ضرب المثل على طبيعة العلاقة برسالة وجهها أحد الأناس إلى ربه لان سكان أرض الرافدين كثيرا ما كانوا يخطون الرسائل على المتهم.
- - نعلم أنهم كانوا يظنون أنهم قد لا يجدون الإله في البيت عندما يذهبون إليه ولكنه لا ريب يقرأ الرسائل التي تصل إليه أو قد يكون كاتب الرسالة مريضأ فمنعه مرضه عن المجيء فيلجا إلى الكتابة .
- - والرسالة التي سوف نعرضها يبدو أن كاتبها يرى المجيأ بنفسه لأنه حزين فهو متألم لظنه أن ربه قد أهمله.
- - خاطب الرب أباك هذا ما يقوله خادمك.
- - لم قد أهملتني.
- - من ذا الذي يأتيك بواحد يحل محلي.
- - أكتب على الإله مردوك فأنت أثير لديه.
- - لعله يكسر لي قيودي.
- - واذكر كذلك عائلتي كباراً وصغاراً.
- - ارحمني من أجلهم وأجل عونك يبلغني.
- - القيود التي تذكرها الرسالة هي المرض ، قرب المرء الشخصي يستطيع أن يغنيه في معا ويتيح له البروز والمكانة ولكنه لا يقوى على تخليصه من براثن مارد لا يروعه وازع قانون فإذا وقع المرء الذي في وصايته في قبضة مارد شرير وجب عليه أن يسد ماله من نفوس لتحريك آلة العدالة الإلهية .
- - لذا تقول الرسالة :( اكتب إلى الإله مردوق فأنت أثير الديه ) .
- - كان النفع الأكبر من الإله الشخصي هو استحصاله العدالة الإلهية بنفوذه غير أنه كان يطلب إليه أيضا أن يستغل هذا النفوذ لرفاه وتقدم الفرد الذي في وصايته بصورة عامة وأن يذكر الفرد بخير كلما استطاع وهكذا نجد أن الإنسان قد يخطي عن طريق الطاعة والخدمة خطى إله الشخصي وهذا الإله قد يستمر نفوذه مع من يعلوه من الآلهة لمنفعة ذلك الإنسان.
- وأخيرا: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
- لاتنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
- ودمتم بكل خير .
- لاتنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
- ودمتم بكل خير .