فإن من أجل وأشرف العلوم المتصلة بالقرآن هو علم التفسير ومن أجلّ طرق التفسير وأحسنها تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسير القرآن بالسنة، ثم تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ثم تفسير القرآن بأقوال التابعين ومن تبعهم من الأئمة الربانيين، ثم تفسير القرآن بلغة العرب، ثم تفسير القرآن بالاجتهاد المشروع. وهذه الطرق ليست متمايزة ولا متخالفة بل بينها تداخل واشتراك.
وتفسير القرآن بالقرآن منه ما يكون التفسير فيه في موضع الآية المفسرة؛ كما في قوله تعالى:" هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون "،فبيّن المراد بالمتقين بذكر أوصافهم وأعمالهم.
ومنه ما تكون فيه الآية المفسرة في موضع، والآية المفسرة في موضع آخر، كما في قول الله تعالى:" وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل "، وهذا في سورة النحل؛ والإشارة إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام:" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون "، وهذا يدل على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل. وكما في قول الله تعالى في سورة المائدة:" وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم "، بيانه في قوله تعالى:" قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ". وهذا النوع منه ما يَتيسر الوقوف عليه لتشابه الألفاظ في الموضعين، ومنه لا يَتفطن له إلا الأفذاذ من العلماء، لدقة مأخذ الاستدلال، ولطافة انتزاع المعنى منه، وهو من ميادين التفاضل بين العلماء في التفسير. وكان ابن عباس رضي الله عنهما من البارعين في هذا النوع. قال عبد الله بن دينار: كان عمر بن الخطاب يسأل ابن عباس عن الشيء من القرآن ثم يقول: «غُصْ غَوَّاص» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.