-
- موقف قيس من حب ليلى المستحيل :
-
إن ظاهرة جنون قيس تسترعي اهتمام فكري ونظري كبير ، من قبل أندريه ميكيل .. - فإن حب المجنون لليلى دفعه للإنفصال عن طبيعة تقاليد مجتمعه المحافظ ..
- ودفعه لينفي نفسه عن مجتمعه مفضلآ العيش في الصحراء بعيداً عن الوحدة الإجتماعية الممثلة بالقبيلة ، وهنا يسلط المؤلف نظرة سیسولوجية تفسر هذا النفي الذي اختاره المجنون لنفسه ، وتقبله المجتمع على الرغم من أن وجوده - وجود المجنون - كان يهدد النظام الرمزي العام للمجتمع وللقبيلة .
- ثم إن قيس كان يستعيد على الدوام قصة حبه لليلى ويرددها بشكل علني ، ولم يكن هذا الأمر مقبولاً في العرف الأجتماعي آنذاك ،ولذلك فإن قيس كان خارج النظام الجماعي الذي هرب منه ، والذي كان يشكل بعض الخطورة على كيانه .
-
- المقارنة مع ميسالين والمجنون :
-
يقارن میکیل بين حب قيس وجنونه وتناقضه مع المجتمع ، وبين قصص حب شبيهة حصلت في حضارات أخرى ، وضمن قيم اجتماعية مغايرة لطبيعة الحضارة العربية الإسلامية كالحضارة الرومانية . - ويرى المؤلف أن المجنون قد لا يكون مجنوناً ة، غير أنه ببساطة يمثل نموذجاً أصيلاً وفريدآ من نوعه ، ولذلك فإنه دفع الثمن غالياً لقاء هذه الأصالة وهذا التفرد ، وذلك بأنه تحول إلى منبوذ ومنفي من قبل المجتمع الذي ينتمي إليه ، وهو بهذا يشبة میسالين الإيطالي الذي عشق مومسان لحد الموت ، الأمر الذي لم تتقبله روما ولا المجتمع الإيطالي في ذلك الوقت .
-
- عقلانية قيس :
-
ويحاول أندريه ميكيل أن يكتشف المنطق الذي أقام قيس عليه حبه ثم جنونه بعد ذلك ، والعقل الذي اتبعه في مناقشة الآخرين ليدافع عن طبيعة حبه وتعلقه بليلى ، فيرى بأن منطق المجنون كان عقلاني وصافي ونقي .. - إن منطقه هو البساطة والنقاء في التعامل مع ظواهر الأشياء ، ومن ذلك الحوار الذي دار بين أبي ليلى والمجنون ، والذي يورده میکیل للدلالة على عقلانية قيس المتمثلة في الصفاء والنقاء الذهنيين ...
- إن دراسة ميكيل تقوم على عدم تقبله لظاهرة قيس وجنونه بشكل عفوي ، بل يقوم بتحليلها بالإعتماد على دراسات أدبية فلسفية للحب ، کالدراسة التي قام بها رولان بارت في كتابه ( مقاطع في خطاب غرامي ) ، وأندريه بريتون في بعض دراساته ، هذه الميزة يتفرد بها میکیل في دراسة قصة قيس وليلى .
- إنه يصدمنا بعمق الدراسة لموضوع يقر منذ البداية بأنه أسطوري خرافي .
-
- ليلى والليل :
-
يجعل میکیل من اسم ليلى حبيبة قيس موضوعاً للتحليل أيضاً ، فليلى بالنسبة له تحول موسيقي شعري لإسم الليل بالفرنسية « Nuit » ، ولكنها ليست ليلة كبقية الليالي ذات الزمن المنتهي ، بل هي ليل دائم يغرق فيه المجنون .. - وتغدو عبارة : مجنون ليلى هي مجنون الليل ، وهكذا يمكن استلهام الليل والمرأة داخل وجود متحد يتشكل عبر امرأة يكون اسمها الليل ..
-
- تحليل اسم ليلى :
-
يتوسع المؤلف في التحليل الجمالي لاسم لیلی ليناسب بشكل متكامل داخل هذه الأسطورة الرومانسية الجميلة .. - يبين ميكيل في دراسته بأن حب قيس لليلى وهو حب وجودي ، عمیق ، رائع ميتافيزيقي أكثر من العادة ، إنه البحث عن شي ما كالمطلق .
- كان المجنون يعتبر بأن اللذة لا تدوم عنده ، وعندما يجد نفسه في الصحراء الخالية كان وجود ليلى يطارده ، وكان مرور أي شيء أمامه كالغزال - مثلاً - يذكره بليلى ، ويملأ عليه هذه الصحراء الجرداء .
-
- مقارنة قيس مع روميو :
-
ويقارن ميكيل المجنون بنماذج مشابهة من الحضارات الأوروبية الأخرى ، فيقارن طبيعة موته وموت روميو - مثلاً - غير أنه يمنح المجنون خصوصية متفردة عن سواه هي بالضرورة خصوصية مجتمعه .. - فمن بين كل الشعراء والعاشقين المشهورين کان المجنون هو الوحيد الذي رفض من قبل مجتمعه ، رفضاً تاماً ، بل خارج هذا المجتمع وعاش مرحلة من التوحش في الصحراء مع الحيوانات ...
- هذا التوحش والانصراف إلى حب ليلى هو حالة ( طوباوية ) فريدة من نوعها ، ترتبط بحالات نادرة من الحب المثالي المتعالي واللاواقعي ، ويستند إلى آراء فلسفية في الحب لرولان بارت ، ويستشهد مختارات رائعة ، منتقاة بدقة من أشعار المجنون تجسد لاواقعية حبه ، ويقول بأن قلب العاشق يكون هكذا ..
-
- دراسة المقارنة :
-
هنا يدفع أندريه ميكيل إلى إضاءة هذا الجانب اللغز من حب المجنون لليلى ، فيعتمد على بعض التحليلات رولان بارت ، ويستشهد بمقاطع هامة من كتابه الشهير ( مقاطع من خطاب غرامي ) ، الذي يفلسف بارت فيه الحب كعلاقة وجودية وفلسفية معقدة وعميقة ، ویری میکیل بأن المجنون لم يكن ينتظر شيئاً من حبه لليلى ، وإنما كان يعيشه من أجل الحصول على امتیازات خاصة في مجالات الحرية الخارجة عن التقاليد الإجتماعية القبلية الضيقة ، فالقبيلة لا تسمح لأحد بأن يمارس السلوكية التي سلكها قيس إلا إذا كان مجنوناً ، وأن حب المجنون لليلى وتشبيبه وسلوكيته داخل إطار هذا الحب قد رفض من قبل القبيلة ، إلا أن هذه القبيلة نفسها جعلت من قیس شخصية رمزية وأسطورية ثم شخصية جماهيرية ذات شعبية كبيرة . -
- وسائل الإنتصار :
-
الشعر أي معنى آخر .. الكلام .. فبواسطة الكلام ، وبالكلام بحد ذاته وعبر استخدامه استخدامآ رائعاً وخلاقآ واستراتيجيآ، يمنح المجنون سلطة قوية خاصة ، ومتميزة هي هذا الكلام نفسه، كغاية ووسيلة في الوقت نفسه ، ثم كهدف منتصر وفعال في النهاية .. ألم ينتصر المجنون في النهاية على الرغم من جنونه ، بسبب الحب ؟ - نعم لقد انتصر ، وإن لم ينتصر هو فإن قبيلته انتصرت لأنها تدين إلى المجنون بشهرة اسمها « بني عامر » .. وبأن المجنون كان أفضل شعرائها ، وأسطورة أدبية من أشهر أساطير العرب ..
- وفي ضوء كل ما سبق من منهج تحليلي قام به ميكيل لأسطورة هذا العشق ، يقود بشخصية قيس المجنون إلى معالجة نفسانية - سسيولوجية داخل واقع التاريخ العربي مستعيناً بالنتائج الفعالة التي توصل إليها كل من الفيلسوف الفرنسي جبل دولوز والعالم النفسي فیکس کوتاري ، في ميدان علم النفس الإجتماعي في کتابهما الهام ( ضد أوديب ) ، ووضعهما لمقولة ( ماكنة الحرب) والمعطيات المنبثقة عنها .
-
- الخاتمة :
-
تغدو قصة قيس وليلى الساذجة عبر تحولاتها التاريخية داخل المنظور الفلسفي ، ذات کیان حي يعبر عن احتیاج نفسي جماعي لمجتمع متعطش لصياغة عواطفه المحرمة داخل رموز يبینها غيره ويكون هو ، ضحية هذا الرمز ! -
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.