- كان التابوت نعمة من نعم الله على بني إسرائيل، وكان لهذا التابوت عندهم شأن عجيب ، ولكنهم لما انحرفوا عن شريعتهم ، وغيروا ما بأنفسهم ، سلط الله عليهم الفلسطينيين فغلبوهم على أمرهم ، وأخرجوهم من ديارهم ، وأخيراً أخذوا التابوت منهم ، فتصدعت وحدتهم ، فماذا فعل بنو إسرائيل بعد ذلك ؟
- هذا ماسنتحدث عنه في هذا المقال .
-
- اختيار طالوت ملك على بني إسرائيل في قصة طالوت في القرآن :
-
ظل بنو إسرائيل على ذلك الذل والمهان حقبة من الدهر ، ففزع إلى نبيهم صمويل نفر منهم وطلبوا إليه أن يختار لهم ملكآ يتألفون تحت رايته ، لعلهم به يغلبون العدو ، ويكتب الله لهم النصر :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ )[ البقرة : 246 ] . - فقال لهم :( هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ )
- إني أتوقع تخاذلهم إذا كتب عليكم القتال ، وتواكلكم حينما يدعوكم داعي الجهاد .
- قالوا : ( قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ )
- قال صمويل : " دعوني أستخير الله في أمركم " .
- واستخار الله ، فأوحى الله إليه :" إني قد اخترت عليهم طالوت ملكاً " .
- قال صمويل : " يارب إن طالوت رجل لم أعرفه بعد ، ولم أره من قبل " .
- فأوحى إليه : " إني مرسله إليك ،وسوف لا ترى عسراً في لقائه ، ولا جهدا في تعرف ملامحه ، فوله الملك .
-
- صفات طالوت في قصة طالوت في القرآن :
-
- كان طالوت يتصف بصفات مميزة وهي : - 1 - كان رجلاً جسيم .
- 2 - كان رجلاً طويلاً .
- 3 - كان ضخم القد والقامة .
- 4 - كان قوي البنية .
- 5 - قوي القلب .
- 6 - ذكي تلمح في عينيه النباهة .
- ولكنه لم يك رجلاً معروف الذكر ، كان يقيم مع أبيه في قرية من قرى الوادي ، يرعى له الماشية ، ويفلح الأرض ، ويصلح الزرع .
-
- لقاء صامويل بطالوت في قصة طالوت في القرآن :
-
فيما كان طالوت في شأنه في الحقل مع أبيه ، ضلت منهما أنثى حماره فخرج مع غلامه ينشدانها ، وظلا أياماً حتى ورمت منها الأقدام ، فطلب طالوت من غلامه أن يعودا ، فقال الغلام : " إنا الآن قد وصلنا إلى موطن صمويل ، وهو فيما أعلم نبي يأتيه الوحي ، هلم إليه نستوضحه شأن الدابة " ، فتجدد عند طالوت الأمل ، ولقيا في طريقهما إلى صمويل فتيات خرجن يستقين الماء فطلبا إليهن أن يرشدنهما إلى صمويل نبي الله الكريم ، وبينما هما في الحديث معهن إذ طلع عليهما صمويل ، فتعارفت أرواحهما ، ووقع في قلب صمويل ، أن هذا طالوت الذي أوحى الله إليه بتمليكه ، فسأله طالوت حاجته ، فقال صمويل : " أما الدابة فهي في طريقها إلى أبيك ، وإني أدعوك بأن الله قد اختارك على بني إسرائيل ملكاً ، تجمع كلمتهم ، وسيكتب الله لك - إن شاء ـ النصر . - قال له طالوت :" ما أنا والملك والرياسة ، والزعامة والسلطان ! أنا من أبناء بنيامين أحمل الأسباط ذكراً ، وأقلهم مالاً فكيف أصير إلى الملك !
-
- تعيين طالوت ملك على بنو إسرائيل في قصة طالوت في القرآن :
-
أمسك صامويل طالوت من يده ، ووقف به على بنو إسرائيل يقول : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ ) - له حق الرياسة والسلطان ، وعليكم الطاعة والإذعان ، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ )
- كيف وهو في النسب غير عريق ، ثم كيف تولي علينا رجلاً فقيراً ، لا يجد مالا يدبر به الملك :( قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[ البقرة : 247 ] .
-
- مبايعة بنو إسرائيل لطالوت في قصة طالوت في القرآن :
-
طلب بنو إسرائيل من صامويل آية يعرفون بها أمر الله ، قال صامويل : ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )[ البقرة : 248 ] . - وخرجوا فوجدوا التابوت وقدمت عندهم العلامة ، فبايعوا طالوت وأقروا له بالملك والسلطان .
-
- اختبار طالوت لبنو إسرائيل في قصة طالوت في القرآن :
-
أراد طالوت أن يختبر بني إسرائيل مخافة أن يخذلوه أو يفروا حين الزحف ، فقال : إنكم ستبلغون نهراً ، فمن كان صابراً محتسباً ، فلا ينهل إلا بمقدار ما يبرد كبده ، هذا الذي أحسبه مني ، أما من نهل فقد ركب متن الخلاف ، وكان ما خافه طالوت ، فقد شربوا منه إلا قليلاً منهم ، هم الصابرون المؤمنون :( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ ) -
- تراجع بنو إسرائيل عن القتال في قصة طالوت في القرآن :
-
خرج طالوت بالجمع يلقى العدو ، ولما خرجوا إلى الساحة واستشرفوا للقتال ، لمحوا من أعدائهم رجالاً أشداء ، يفوقونهم عدة ، وكان جالوت يصول بينهم ويجول ، وانقسم أصحاب طالوت شعبتين : شعبة منهم تخاذلت قوتهم ، وقالوا : ( لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ ) [ البقرة : 249 ] . - وشعبة هم الذين عمر قلبهم الإيمان ، قالوا :( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
-
- داود يقتل جالوت في المعركة في قصة طالوت في القرآن :
-
لما التقى الجمعان في المعركة ، برز جالوت يدعو للمبارزة ، فخاف الباقون بطشه ، وقد جعل طالوت جزاء لمن يقتله ، فثارت الحفيظة في نفس داود عليه السلام ، فطلب من طالوت أن يأذن له في منازلة جالوت ، فأذن له ، فالتقى داوود بجالوت ، ومد يده إلى كتفه ، وأخرج الحجر ، ووضعه في المقلاع ، وسدده نحو جالوت فإذا هو مشجوج الرأس ، ثم قفاه بحجر وحجر ، حتى خر صريعاً لليدين وللفم ، وارتفعت راية النصر ، وول العدو منهزم : ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿250﴾ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿251﴾) -
- ما بين طالوت وداود في قصة طالوت في القرآن :
-
انعقد لداود النصر ، وأصبح بين عشية وضحاها حديث القوم ، أما طالوت فقد وفى بشرطه ، فزوجه ابنته ، إلى أن أصبح داود يوماً ، فإذا طالوت عابس الوجه ، فسأل داوود زوجته مكيال عن سبب عبوس أباها ، فقالت له :" إن أبي منذ رأى القوم من بني إسرائيل يكنون لك في نفوسهم محبة وإجلالاً ، خشي على ملكه من نفوذك وقد علمت أخيراً ـ وإن لم أكن أجزم بصحة ما علمت ـ أنه يفكر في التخلص منك والقضاء على سلطانك ، والرأي عندي أن تتحوط لحياتك ، قال داود :" ما أنا إلا جندي مقاتل تحت راية السلطان ولعل ما دخل على طالوت كان من وسوسة الشيطان " . -
- ازدياد حقد طالوت على داوود في قصة طالوت في القرآن :
-
استيقظ داود يوماً على دعوة طالوت ، وقال له : " ياداود ، قد بلغني اليوم عن كنعان أنهم عادوا ، فجمعوا جموعهم ، وأصبح متوقعاً شرهم ، وليس لي عون إلا بك ، فخذ سيفك ، واختر من ترى من جندك ، واذهب إليهم ، وإياك أن تعود إلا منصوراً " - وحسب طالوت أنه كفي أمر داود ، ولكن داود على الرغم مما عرف من أمر صاحبه ، واختلاط إرادة الشر بإرادة الخير في دعوته ، أطاع طالوت ، وذهب إلى الكنعانيين ، وكتب الله لداوود النصر ، وعاد إلى طالوت مظفراً منصوراً .
-
- نجاة داوود من مكيدة طالوت في قصة طالوت في القرآن :
-
إن انتصارات داوود ما زاد ذلك طالوت إلا كرهاً ، فأضمر له القتل ، فعلمت زوج داود بما أضمر أبوها ، فذهبت إليه لهيفة حزينة ، ونصحته أن انج بنفسك ، واهرب بحياتك ، فما وجد داود بد من الهروب ، وانتهى إلى مفازة أوى إليها ، وألقى بهمومه فيها ، وعلم بمكانه مريدوه من بني إسرائيل ، فهرعوا إليه جماعات . -
- نهاية طالوت في قصة طالوت في القرآن :
-
أما طالوت فقد كثر الخارجون عليه والهاربون من جنده ، فأعمل السيف ، وعاقب بالظن ، وأخذ البريء بذنب المسيء ، ثم أذى العلماء ، ولكن داود لا يزال حياً ينافسه في ملكه ، وخرج داود من مفازته ، يتحسس أمر طالوت ، فإذا هو قد انتهى إلى واد ، ومعه من شيعته وجنده ، وقد رقدوا ، لما أصابهم من جهد ، فمشى داود ، حتى استل رمح طالوت من بين جنبيه وعاد ، ونهض طالوت يتفقد رمحه ، وبينما هو حائر مضطرب وافاة رسول داود يقول : " هذا رمحك ، وقد مكن الله لداود من رأسك ولكنه كان أعز نفساً " ، ونالت كلمات رسول داود من نفسه ، فأخذته عبرة من الأسى ، نادماً أنه قد غدر بداود ، وقتل العلماء والقراء ، وما استحقوا القتل ، فرجع أدراجه ، ثم هام على وجهه ينشد من الله التوبة ، حتى وافاه الموت . - أما بنو إسرائيل فقد هرعوا جميعاً إلى داود مبايعين ، وشد الله ملكه ، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب .
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.