
- في سالف الزمان ، وسابق العصر والأوان ، أمکن إقناع الإمام أحمد بضرورة إرسال بعض شباب اليمن للتعليم في الخارج ..
- حيث أن التعليم ممنوع في اليمن .. وأن خير مكان يرسلون إليه هو مصر ..
- ورضي الإمام ، بشرط أن لا يعيش الطلبة اليمنيون كغيرهم من الطلبة العرب الآخرين في القاهرة ! فالقاهرة مدينة كبيرة ، ولابد أنها مفسدة ، فتم الإتفاق على أن يكون مقر أول بعثات يمنية في مدينتين :
- 1_ في بني سويف في صعيد مصر .
- 2_ في طنطا في قلب الدلتا .
-
- انتقال البعثة اليمنية إلى حلوان :
-
وبعد سنوات ، أقنعوا الإمام أحمد بأن هناك مدينة في مصر جوها أحسن ، وتعتبر منتجع صحي ، وهي في منطقة صحراوية واسمها ( حلوان ) .. - وهكذا انتقلت البعثة اليمنية إلى حلوان ، أي صار بينها وبين قلب القاهرة ، قبل الزحام الحالي الرهيب ، ما لا يزيد عن نصف ساعة ..
-
- القاهرة في الخمسينات :
-
كان في القاهرة ذاتها في الخمسينات ، الزعماء الأوائل من جيل : - ( القاضي الزبيري ) ( والقاضي أحمد النعمان ) .. وتوثقت بين الطلبة وبينهم العلاقات ، ودخل الطلاب من خلالهم إلى ذلك ( الإنتماء اليمني ) .
-
- ثورة اليمن :
-
وعندما قامت ثورة اليمن في الستينات ، وتعاقبت الأحداث والتغييرات والتطورات ، کان يرى كل من توالوا على السلطة مدنيين وعسكريين من الشباب المعروفين . - وقد عرف شعراءها وأدباءها وسياسييها وعسكرييها .. عرفوا وهم كالبخار المكتوم أو كالبركان المغلق ، يتفجرون من الداخل ..
- وعرفوا بعد الثورة والموجات تتراوح بين شد وجذب ، وأمل ویأس ، وقد شوهدت صور اليمن وقرء تراثها ، وعرف النخبة منها من كل الإتجاهات .
- ولعل هذا كان سبباً من أسباب عدم التحمسس للذهاب ، أو ترك الفرص تضيع ...
-
- آثار تاريخية :
-
يستخدم السائح عينيه أساساً ، وربما فقط ، ويبهر بطراز البناء اليمني القديم الفريد ، أو لآثار حضارة تعود إلى آلاف السنين ، أو بالثياب التقليدية ، و يشترون الخناجر اليمنية المعروفة ، إنهم يزورون متحفاً هائلاً ، حتی منظر الفقر الرهيب يجدون في رؤيته عيون في رؤيته تلبية لفضول سیاحي أو حتی ثقافي .. - ولكن كيف يستطيع عربي، أن يتجول في صنعاء بعين سائح ؟
- ولايمكن تصور عربي أن يسير في دروب صنعاء القديمة ، متأملآ بعينيه فقط ، هنا لايمكن الإنسان العربي إلا أن يرى الأشياء بقلبه قبل عينيه ..
- لابد أن عين السائح أن تبهرها بالفعل مباني الطراز اليمني القديم ، وطابعه المتميز ، الذي ينم عن حضارة سالفة غنية ، ويصدق مايقوله المؤرخون :
- من أن أهل اليمن هم أول شعب بنی ( ناطحات السحاب ) ، فلا شك أنه لا يوجد خارج اليمن أي مبنی من سبعة وثمانية طوابق ، وعمره مئات السنين - أو أكثر ، وما زال قوياً وقادرآ على البقاء مئات أخرى من السنين ...
- _ إن عين العربي - أو بالأحرى قلبه - يفتنه كل هذا بالتأكيد ، لأنه يؤكد له نفسياً أن هذا شعب صانع للحضارة لو اتيحت له الفرصة ..
- ولكن قلبه لابد أن يرى الناس .. والحياة .. وأن يلمس الإحباط ، واليأس ، لدى المواطن البسيط ، ليس يأساً فلسفيآ مما نشعر به كلنا أحياناً ، ولكنه يأس مولود معه .. بديهي بالنسبة إليه .. فلا يمكن إلا أن تنقطع ( متعة السياحة ) لدى الإنسان العربي الزائر .
- ولابد أن يغمره شعور هائل بالذنب !
- ولابد أن تورق في نفسه أدغال حزينة كما قال الشاعر صلاح عبد الصبور !
-
- عين السائح وعين العربي :
-
إن رؤية مجتمع عربي يعيش في ظروف القرون الوسطى ، ربما وجد فيه السائح متحفاً فريداً ، ولكن الإنسان العربي لابد إلا أن يرى فيه مأساة يغوص لها قلبه ، مهما كانت معلوماته المسبقة ، ويشعر إزاءها بالخجل من نفسه ومن قومه ، ومن عروبته التي تصل أفضالها إلى أوروبا وأمريكا والبرازيل وبلاد تركب الأفيال ، ولكنها لا تصل إلى هنا .. إلى صنعاء .. إلى ذلك الركن الاستراتيجي الخطير ... - إذا تحدثنا حتى عن المصلحة فقط إلى شعب له طبيعة ذكية ، نشيطة ، بدليل النجاح الذي يحققه من هاجر منه إلى أي بقعة في الأرض ، ولكنه في هذه الظروف كيف نطلب منه أن يعمل ؟ أو أن يأمل ؟
-
- أكثر شعراء العرب :
-
كنا نظن أن العراق أكثر بلد عربي ينجب الشعراء ، فأنت في بغداد إذا وقفت عند محل تشترى سجائر ، ودار بينك وبين صاحبه حدیث ما ، سرعان ما يخرج من أحد أدراجه قصيدة من نظمه ، ولكن اليمن ربما كانت هي أكثر بلد يلد الشعراء ومن الممكن تفسير ذلك بأشياء كثيرة .. - فلأن اليمن هو البلد الذي يعيش أكثر قرب إلى حياة العرب البدوية الأولى ، حين كانت الكتابة غير شائعة ، وبالتالي كان الشعر هوأارقی وأبقى طرق التعبير والحفظ والانتقال ، فإن اليمن كذلك استمرت فيها ظروف تفوق الشعر على غيره من وسائل التعبير ، وليس كل مجتمع بدائي ملك هذه القدرة على إنتاج الشعر ...
- فالشعر لا ينتج من مجتمع تنقصه كل وسائل الحضارة ، إلا إذا كان في باطن هذا المجتمع طاقة للخلق الفني ، وفي دمه تراث قديم ، ولديه رغم كل شيء حاجة للتغيير ، ذلك الاحتدام الداخلي الذي ينتج أحد أهم وأصعب أنواع الإنتاج الفني كالشعر ، إنه بخار متصاعد من بركان حي ، ولو كان البركان خامد لما تصاعد منه أي حمم ، ولا حتى أي بخار .
-
- أبرز موضوعات الشعر اليمني :
-
وأبرز موضوعات الشعر اليمني ، توضح لنا نوع الإحتدام الداخلي الذي يبحث لنفسه منفذ ... - 1 _ فهناك الشعر الذي يخاطب ( الشرشف ) ، وهو ذلك الغطاء الأسود الذي يحجب المرأة تماماً ومن سن مبكرة جداً ، حتى ما لا خلاف في الشريعة على عدم ضرورة حجبه ، أي الوجه والكفين ..
- 2_ وهناك شعر الحنين إلى الوطن ، فاليمني يسافر إلى آخر الدنيا ، ويخالط أرقى المجتمعات ، ولكنه ينتج الشعر بغزارة في موضوع الحنين إلى الوطن الفقير ، المحروم ، في تعلق غریب وحنين هائل .
- 3_ وهناك شعر التمرد ، التمرد العام على كل شيء ، وشعر التمرد اليمني أعنف من أي شعر تمرد آخر ، ذلك أن قهر القرون الجاثمة يجعل رد الفعل في نفس مستوى العنف والجرأة والاندفاع بنفس درجة القهر ، كما يشد الإنسان كل قواه وعضلاته حتى يزيح عن صدره حجراً ثقيلاً هائلاً لا يريد أن يتزحزح ..
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.