- لا يستطيع قارئ منصف لنصوص الكتاب والسنة أن یکتم دهشته لكم وسعة الجسور الشي أقامتها بين المسلمين وغيرهم ، وهي دهشة لا يقابلها إلا العجب من ذلك الجهد المضني الذي باتت تحتاجه الآن عملية مصالحة المسلمين على الآخرين ...
- كأنما کتب علينا أن نعيش زمن الاوضاع المقلوبة في كل شيء ، دينا ودنيا ...
-
* كرامة المسلم :
-
منذ قررت تلك النصوص أن الانسان هو مخلوق الله المكرم والمختار ، وأنه خليفته سبحانه في الأرض ، اكتسب الإنسان في التصور الإسلامي حصانة ، ترتفع فوق الأجناس والألوان وحتى الأدیان ، وهي حصانة مترتبة على حقيقة كونه إنساناً خلقه الله على صورته ، ونفخ فيه من روحه ، حتى استحق أن يوصف بحق أنه ذو نسب سماوي . - _ كل إنسان له في الإسلام قدسية الإنسان ، أنه في حمى محمي وحرم محرم ، ولا يزال كذلك حتى يهتك هو حرمة نفسه ، وينزع بیده هذا الستر المضروب عليه ...
- _ بهذه الكرامة يحمي أعداءه كما يحمي أبناءه وأولياءه، إنه يحمي أعداءه في حياتهم ، ويحميهم بعد موتهم ، يحميهم في حياتهم ، فيحول دون قتالهم إلا إذا بدءوا بالعدوان ، ويحميهم في ميدان القتال نفسه ، إذ يؤمنهم من النهب والسلب والغدر والاغتيال .
- ثم يحميهم بعد موتهم ، إذ يحرم أجسادهم على كل تشويه أو تمثیل ( بنص الحديث الشريف ) .. ولم لا ؟ أليسوا أناسي ؟ !!
- فلهم إذا كرامة الإنسان ...
- و هذه الكرامة التي کرم الله بها الإنسانية في كل فرد من أفرادها ، هي الأساس الذي تقوم عليها العلاقات بين بني آدم ..
-
* الحقيقة الكبرى التي صورتها النصوص والشواهد :
-
الحقيقة الكبرى في التصور الإسلامي ، كانت لها أصداؤها ، في عديد من النصوص والشواهد ... - ففي ظلها تفهم أبعاد البيان الإلهي في سورة المائدة ( الآية 32 ) :
- " أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ." إلى آخر الآية .
- وهو تصور بالغ القوة ، في الدلالة على بشاعة جريمة قتل الإنسان ظلمآ بغير حق ، إذ هي في هذا النص ليست عدوانا على الفرد فقط ، ولا عدوانا على المجتمع كما تنص القوانين الجزائية أو الجنائية الوضعية ، ولكنها شيء أكبر وأفدح ، إنها عند الله سبحانه عدوان على الناس جميعاً ، على الجنس البشري بأسره ...
-
أولاً - مقصد النص القرآني :
-
إن النص القرآني هنا يتحدث عن ( النفس الإنسانية ) وعن الناس ، دون تفرقة بين لون وجنس وصلة ، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس ، كما يقول ابن كثير ، فضلاً عن أن الآية تعلمنا ما يجب من وحدة البشر ، وحرص كل منهم على حياة الجميع ، واتقائه ضرر كل فرد ، لأن انتهاك حرمة الفرد ، انتهاك لحرمة الجميع والقيام بحق الفرد من حيث أنه عضو من النوع ، وما قرر له من حقوق المساواة في الشرع ، قیام بحق الجميع ، كما يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار .. - وفي ظل تلك الحقيقة الكبرى نفهم قول النبي ﷺ ، فما رواه عنه هشام بن حكيم : " أن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا " ، فالعدوان على كرامة الإنسان هنا لا يكفي فيه العقاب الدنيوي - إن وجد - وإنما تلك وصمة تلاحق المعتدي في الآخرة ، حيث يلقى جزاءه عند الله أيضاً ...
-
ثانياً _ قصة سجلها البخاري :
-
أن النبي ﷺ قام من مجلسه تحية واحتراما لجثمان ميت مر أمامه ، وسط جنازة سائرة ، فقام من كان قاعداً معه ، ثم قيل له فيما يشبه التنبيه ولفت النظر : أنها جنازة يهودي ؟ عندئذ جاء رد النبي ﷺ واضحاً وحاسمآ ، أليست نفسآ ؟ - أليس إنساناً من خلق الله وصنعه ؟
-
ثالثاً_ كتاب الإمام علي كرم الله وجهه :
-
وقد استحضر الإمام علي بن أبي طالب تلك المعاني في كتابه إلى مالك بن الأشتر ، حين ولاء مصر ، بعد مقتل محمد بن أبي بکر ، عندما قال : - وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم ، واللطف بهم فإنهم صنفان :
- إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ..
-
رابعاً_ فتوى الإمام أبي حنيفة :
-
من هذا الشعور العميق بقيمة الإنسان ، فاغن الإمام أبي حنیفة أفتى بعدم جواز الحجر على السفينة لأن في هذا الحجر إهدار لآدميته ، ولما كان الضرر الذي يصيب إنسانيته من جراء هذا الحجر أكبر من الضرر المادي الذي يترتب على سوء تصرفه في أمواله ، فإنه لا يجوز دفع ضرر بأعظم منه ، ولا يجوز بالتالي في رأيه الحجر عليه ... - هكذا تظل قيمة الإنسان واحدة من الثوابت الأساسية في التفكير الإسلامي ، التي لا تقبل الانتقاص بأي قدر ، وإن قبلت الإضافة إلى أبعد مدى ، ويظل أي انتهاك لهذه القيمة بمثابة تصادم وتناقض مباشرين مع دعامة أساسية في التصور الإسلامي بنصه وروحه ..
-
* ماذا عرضت النصوص الإسلامية أيضاً :
-
النصوص الإسلامية لم تكتف بالتأكيد على القيمة المطلقة للإنسان ، ولكنها أقامت انطلاقاً من تلك الحقيقة الكبرى ، ذلك الكم من الجسور ، والذي يفتح الطريق واسعآ لأخوة بني الإنسان ، من أجل بناء حياة ملؤها المودة والرحمة .. - _ ثمة نصوص مباشرة في هذا المعنى خاطبت كافة خلق الله ، من كل جنس ولون وملة :
- - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا .. )إلى آخر الآية .
- - «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ..) إلى آخر الآية .
- - « أيها الناس ، إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أکرمکم عند الله أتقاكم ، ليس لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أبيض ولا لأبیض على أحمر فضل ، ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد ، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب ) ( من خطبة الرسول في حجة الوداع ) .
- هذه النصوص تذكر بالأصل الواحد لبني الإنسان ، وتنبه إلى ثمة حكمة إلهية في اختلاف الخلق شكلآ وموضوعآ ، مؤكدة أنه ليس في هذه الدنيا إنسان بطبيعته أفضل من إنسان ، إذ الكل من نفس واحدة ، أبوهم آدم وأمهم حواء ..
- والتفاضل فقط أمام الله سبحانه ، وله معيار واحد هو : التقوى التي هي الإيمان والعمل الصالح ..
-
* نصوص تخاطب أصحاب الأديان :
-
* ثمة نصوص أخرى تخاطب أصحاب الأديان الذين يؤمنون بالله سبحانه : - -(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...) إلى آخر الآية .
- -(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّه ...) إلى آخر الآية .
- ومثل هذه الآيات تفتح أبواب السماء لكل مؤمن بالله ، على النحو الذي عالجته من قبل .
- * النصوص تخاطب المسلمين مذكرة ومنبهة :
- - (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ )... إلى آخر الآية .
- -( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُم) ... إلى آخر الآية .
- -( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)... إلى آخر الآية .
- هنا تفتح الآيات باب التلاقي بين المسلمين وغيرهم ، معلنة أن المسلمين مؤمنون بكل الأنبياء والرسل ، وأن جوهر الرسالات السماوية واحد في غير تعارض أو تنافر .
- * مخاطبة النصوص للنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
- على صعيد رابع تخاطب النصوص محمداً عليه الصلاة والسلام ، معززة معاني وحدة الأديان ، وبشرية الرسالة ، وهدف البعثة الأكبر ..
- - (مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ) ( فصلت43 ) .
- - (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) ( الأعراف 158 ) .
- - (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) ( سبأ - 28 ) هذه النصوص في مجموعها ، تقيم في حقيقة الأمر عديدآ من نقط اللقاء بين المسلمين والآخرين ، وتشق جسورآ تسع كل جهد مخلص من أجل إقامة عالم يحفظ للإنسان كرامته وسعادته ورخاءه .
- * تخلي المسيحية عن تعاليمها الأصلية :
- ورغم أن السيد المسيح جاء داعياً إلى المساواة بين بني الإنسان ، إلا أن الحملة الشرسة التي شنها الرومان على أتباعه ، اضطرت المسيحية إلى التخلي عن تعاليمها الأصيلة ، والإستسلام لواقع عجزت عن مقاومته ، حتى أعلنت أن المساواة التي تدعو إليها هو مساواة في الروح ، وأن الأرواح المؤمنة تلتقي في المسيح ، وتتساوى في مملكته السماوية ..
- أما الجسد فقد خلق لهذه الدنيا ، وعليه أن يخضع لكل ذي سلطان عليه ، وهذا ما أعلنه القديس بولس في رسالته (إلى اهل رومية ) ، وما ردده القديس بطرس ، وأضاف في رسالته الأولى ( كونوا خاضعين ، بكل هيبه ، ليس للصالحين ، بل للعنفاء أيضاً ) ..
- وقد استغلت هذه التعاليم استغلالاً سيئآ ، حتى نصح القديس أزیدودوس العبيد بأن لا يطمعوا في التحرر من الرق ولو أراده أسيادهم،. وإن بقاء العبد في الرق يخفف عنه الحساب يوم القيامة ، إذ أنه يكون قد خدم مولاه الذي في السماء ، ومولاه الذي في الأرض .
- * خاتمة :
- إن نصوص القرآن والسنة التي بدأت بإعلاء قيمة الإنسان ، وإعلان مكانته في الأرض وفي السماء ، لم تكتف بأن أقامت العديد من الجسور التي يلتقي عليها المسلمون وغيرهم ، ولكنها أيضاً لم تتردد في أن تلقن المسلمين منذ 14 قرناً دروساً عديدة في كيفية عبور تلك الجسور ومخاطبة الآخرين ، نظراؤهم في الخلق ، إذا استخدمنا تعبير الإمام علي بن أبي طالب ، وهو أمر يحتاج إلى مناقشة مستقلة ..
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.
- الرئيسية
-
التصنيفات
-
مثال على الأدب العربي
- مثال على الأدب في العصر الجاهلي
- مثال على الأدب في العصر الأموي وصدر الإسلام
- مثال على الأدب في العصر العصر العباسي
- مثال على الأدب في العصر الأندلسي
- مثال على الأدب في العصور المتتابعة
- مثال على أدب البلدان
- مثال على الأدب في العصر الحديث و المعاصر
- مثال على النقد الأدبي
- مثال على الأدب المسرحي
- مثال على الخطابة
- مثال على الكتابة الأدبية
- مثال على أدب الأطفال
- مثال على الفروقات
- مثال على معاني المفردات و الكلمات
- مثال على منوعات في الأدب العربي
- مثال على القصص و الروايات
- مثال على الشعر العربي
- مثال على قواعد اللغة العربية
- مثال على مؤلفات وكتب
- مثال على التاريخ والحضارة
-
مثال على الإسلام والأديان
- مثال على علوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف
- الأدعية و الأذكار
- مثال على التفسير و التجويد
- الأخلاق و العبادات وتزكية النفس
- مثال على السيرة النبوية
- رمضان و الصوم
- الجنة و النار واليوم الآخر
- مثال على الفرق و المذاهب و الأديان
- مثال على علامات الساعة وعذاب القبر
- مثال على الفتاوى الإسلامية
- شبهات ومعتقدات خاطئة عن الإسلام
- مثال على العقيدة الإسلامية
- أحكام فقهية وشرعية
- معلومات دينية عامة
- معلومات دينية للأطفال
- الحج و العمرة
- مثال على تراجم القرّاء
-
مثال على المأكولات
- مثال على الأطباق الرئيسة
- مثال على أطباق منوعة من حول العالم
- مثال على أطباق سهلة وسريعة
- مثال على أطباق جانبية /مقبلات
- مثال على أطباق بالمكرونة
- مثال على أطباق للرجيم
- مثال على الحلويات
- مثال على السلطات
- مثال على المخبوزات /الفطائر
- مثال على المشروبات والعصائر
- مثال على أطباق بدون فرن
- مثال على الأطباق النباتية
- مثال على أطباق صحية
- مثال على الأطباق الغريبة
- مثال على ساندويتشات
- مثال على الشوربات
- مثال على أسئلة وأجوبة في المطبخ
- مثال على الطب و الصحة و الجمال
- مثال على العلوم
- المزيد...
-
مثال على الأدب العربي
- نبذة عنا
- سياسة الخصوصية
- الدخول إلى الحساب