
- قلما تخلو حياة الأمم والشعوب من تعرضها في بعض الأحيان لأخطار جسيمة داخلية أو خارجية ، تهدد کیانها ، وتكاد تعصف بوجودها ، وما تخطت أمة من الأمم مثل هذه المرحلة إلا بفضل وعيها المستنير لجسامة تلك الأخطار ، ومبادرتها إلى مواجهتها بالحزم ، والعزم وحسن التدبير .
- _ نكتفي بذكر مثال عن فرصة ضائعة ، إبان التصدي للغزو الصليبي لمغرب ومشرق العالم الإسلامي ..
-
أول فرصة ضاعت من يد المسلمين :
-
أراد صلاح الدین أن تتكاتف جهود المسلمين في المغرب والمشرق ، للقضاء على الصليبيين . - بعث لهذه الغاية برسالة إلى الخليفة العباسي الناصر ، يدعوه إلى إرسال العون والمدد الخاصة ..
- حيث بعث صلاح الدين الأيوبي رسالة للخليفة الناصر يقول فيها :
- " لقد تعاضدت ملوك الكفر على أن ينهضوا إلى المسلمين من كل فرقة طائفة ، ويرسلوا إليهم من كل سلاح شوكة ، فإذا قتل المسلمون واحداً في البر ، بعثوا ألفاً عوضه في البحر ، وأصحابنا قد أثرت فيهم المدة الطويلة ، والكلف الثقيلة في استطاعتهم لإطاعتهم ، وفي أحوالهم لا شجاعتهم ، وكل من يعرفهم يناشد الله فيهم المناشدة النبوية في الصيحة البدرية :
- " اللهم إن تهلك هذه العصابة ..."
- ويخلص الدعاء ، ويرجو علی سیدنا أمیر المؤمنين الإجابة "..
-
موقف الخليفة العباسي الناصر من رسالة صلاح الدين :
-
لكن الخليفة لم يمدده بمال أو رجال ، واكتفى في رده بالدعوات والتمنيات ... -
الفرصة الثانية الضائعة :
-
بادر صلاح الدين إلى الإستنجاد بسلطان المغرب ( يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ) ، الملقب بالمنصور ، لعل قوى المغرب والمشرق تتعاون في صد الخطر الصليبي عن البلدين .. -
الفرصة الثالثة الضائعة :
-
كتب صلاح الدين الأيوبي لسلطان المغرب يستنهضه ويقول : - " إن كانت الأساطيل في الجانب الغربي ميسرة ، والعدة فيها متوفرة ، والرجال في اللقاء فارهة ، وللقاء غير كارهة ، فالبدار البدار ..
- وإن كانت دون الأساطيل موانع ، فالمعونة ما طريقها واحدة ، تكون تارة بالرجال وتارة بالمال ، وما رأينا أهلاً لخطابنا ، ولا كفؤاً لإنجادنا ، ولا محفوفاً بدعوتنا ، ولا ملبياً لنصرتنا ، إلا ذلك الجناب ، فقد كانت تتوقع منه همة توقد في الغرب نارها ، ويستطير في الشرق سناها ، وتغرس في العدوة القصوى ( الأندلس ) شجرتها ، فينال من في العدوة الدنيا جناها ، فلا ترضى همته أن يعين الكفر الكفر ، ولا يعين الإسلام الإسلام " ..
-
موقف سلطان المغرب من رسالة الأيوبي :
-
لكن الأمل في ذلك السلطان خاب ، فلم يهب إلى نصرة أو نجدة أو إرسال عون ، لا لشيء كما تحدثنا معظم المصادر ، بل لأن صلاح الدين لم يخاطبه في رسالته بأمير المؤمنين على عادة أهل المغرب ، فتغلب المظهر على الجوهر ، وقصر النظر على بعده ، فضاعت فرصة لم تعوض في تاريخ الأمة . - _ ولا نلوم سلطان المغرب ، ولا نلوم سلاطين المشرق وأمراءه ، الذين حفیت أقدام رسل صلاح الدين من كثرة التردد عليهم واستنصارهم ، فما نصروه برجال ولا مال ، وآثروا التحصن في القلاع ، وظنوا أن النجاة في الإعتصام برؤوس الجبال .
-
مواساة القاضي البيساني لصلاح الدين برسالة مؤثرة على فرص ضاعت من يده :
-
وقد صور القاضي الفاضل هذا الحال في رسالة بعث بها إلى صلاح الدين ، وفيها يقول بصورة مؤثرة : - " أن الله تعالى اطلع على قلوب أهل الأرض ، فلم يستخدم في إقامة دينه ، وإعلاء كلمته ، إلا أنت ..
- وفي الأرض من له المملكة وراثة ، ومن له في المال كثرة ، ومن له في العدد ثروة ، فأقعدهم وأقامك ..
- هذا وليس لك من المسلمين كافة مساعد إلا بدعوة ، ولا مجاهد معك إلا بلسانه ، ولا خارج معك إلا بهم ، ولا خارج بين يديك إلا بالأجرة ..
- تدعوهم إلى الله وكأنما تدعوهم إلى نفسك ، وتسألهم الفريضة ، وكأنك تكلفهم النافلة وتعرض عليهم الجنة ، وكأنك تريد أن تستأثر بها دونهم ، والآراء تختلف بحضرتك ، والمشورات تتنوع بمجلسك ..
- فقائل لم لا نتباعد عن المنزلة ؟
- وآخر لم لا نميل إلى المصالحة ؟
- ومتندم على فائت ما كان فيه حظ ، ومشير بمستقبل ما يلوح فيه رشد ... ولكن الشدة تذهب ويبقى ذكرها ، والأزمة تنفرج ويبقى أجرها "
-
خاتمة المقال :
- هذه جولة سريعة عن بعض الفرص الذهبية الضائعة ..
- ولا ندري هنا أكان القاضي الفاضل عبدالرحيم البيساني كاتب صلاح الدين ووزيره يصور حال أزمة عصره ، التي انفرجت بعد حين وبقي ذكرها ، أم أنه يصور أزمة عصرنا التي مازالت تنتظر الحل والفرج ، على يد جيل يعمل الفكر والنظر ، ويتدارك الأمر والخطر ..
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.