نجد أنفسنا أمام سؤال كثيراً ما أصبح يتبادر لأذهاننا في الوقت الراهن وهو "ماذا قدمت الأمم المتحدة للعالم خلال أكثر من سبعين عاماً على اعتبارها خلفاً لعصبة الأمم"، وهل من الممكن أن تنطبق عليها مقولة "خير خلف لخير سلف"؟! وهي التي انطلقت من مقولة «نحن شعوب العالم».
فالأمم المتحدة رغم كل شيء لم تستطع أن تنزع عن نفسها قيود عصبة الأمم المتمثلة بأن "قيادة العالم هي للأقوى"، فهناك الكثير من أوجه الشبه التي تتجلى واضحة لتجمع ما بين عصبة الأمم وهيئة الأمم،
- أن كل منهما جاءت في ذيول حرب عالمية عظمى.
- خضوع قرارات كل منهما لأهواء دولة كبرى تكيفها وفق مصالحها.
- أسست كل منهما, ووضعت مواثيقهما الدول المنتصرة في الحربين العالميتين.
- ضعف وعجز كل منهما أمام الكبار والأقوياء.
وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي (كانون الثاني 1992م – كانون الأول 1996م) كشف حقيقة المنظمة المسخّرة لخدمة مصالح الدول الكبرى قائلاً: «هناك قرارات تتماشى مع مصالح الدول الكبرى أو بعضها فقط فتنفذ وتُتخذ التدابير اللازمة لها، وبالمقابل هناك قرارات لا تتماشى مع مصالح الدول الكبرى أو بعض الدول المحسوبة على الدول الكبرى وحينئذٍ لا تنفذ».
وجاء بعده كوفي عنان الأمين العام السابق أيضاً لمجلس الأمن ليعلق على هذا الشأن خلال مؤتمر صحفي بالقول: «إن الرسالة التي تأتي مدوّية وواضحة هي أن التعددية لا تزال مهمة لدول عديدة».
وأضاف: «كما أعتقد بأن هذه الرسالة في غاية الوضوح، ولا سيّما بالنسبة لأولئك الذين يظنون أن الأمم المتحدة ميتة ولا تأثير لها».
وهذا كله يقودنا للتساؤل : إذاً ما هي تلك الشرعية الدولية التي تحكم العالم!؟
فحق النقض (الفيتو) وسيطرة الدول الخمس الكبار على مجلس الأمن جاء ليهدم منظومة العدل والأمن لشعوب العالم التي قامت أركان الأمم المتحدة على أساسها.
فالشرعية اليوم وأمام ما يواجهه العالم من تطورات سريعة ومتواترة وتبدلات كبيرة في المناخات السياسية الدولية لم تعد تلك الشرعية الدولية المتمثلة بميثاق ومبادئ الأمم المتحدة وإنما تحولت تحت ظل شبح الأقوى لتصبح شرعية الأقوى المتمثلة بميزان (التنافس المصلحي) وعقلية (البقاء للأفضل).
فالشرعية اليوم أصبحت أقرب لشرعية الأقوى منها للشرعية الدولية، فعندما نذكر الشرعية الدولية أول ما يتبادر لأذهاننا هو ذاك المبنى الزجاجي الضخم القابع في (منهاتن) بنيويورك والمسمى (بهيئة الأمم المتحدة)، إلا أن الحقيقة الآن انقلبت ليصبح منبع الشرعية الدولية هو مصالح الدول العظمى.
حتى أن تجاوزات الشرعية الدولية وصلت إلى هيكلية الأمم المتحدة كما حدث عام 1998م حيث تم إنشاء (محكمة الجزاء الدولية) وهو ما كان مؤشراً واضحاً لنية تجاوز (محكمة العدل الدولية) الأمر الذي أثار حفيظة كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة التي اعترضت مطالبة بإخضاع المحكمة لمجلس الأمن مما يعني بالتالي جعلها مداراً لتطورات وممارسات مصالحهما، مما أثار بالمقابل رفض الدول الضعيفة التي رأت في إبقاء (محكمة الجزاء الدولية) تحت جناح مجلس الأمن ما يعني تقييدها.
وكان قد جاء في تعليق للأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي حول أساليب الدول الكبرى في دعم مواقفها داخل إطار الشرعية الدولية: «ضغوط متبادلة تختلف باختلاف الظروف مرة الضغط اقتصادياً ومرة سياسياً ومرة عن طريق فضائح تنشر في الجرائد... نعم الولايات المتحدة نفذت القوة بالدبلوماسية وبالتالي هي قادرة على تحقيق أهدافها وبلوغ ما تريد».
هذا التناقض الهائل في جوهر الشرعية الدولية أدى إلى خلق نفور كبير عند الكثير من الدول من مسمّى (الشرعية الدولية), فإيجاد شرعية دولية تحكم الجميع ويتساوى أمامها الكبار والصغار ليست سوى حلم يدور في فلك عالم تحكمه لغة (الأقوى).
وبالتالي فعلى الأمم المتحدة إذا أرادت أن تبقي على نفسها, وتحافظ على استمراريتها كي لا تلحق بركب عصبة الأمم وتؤدي المهمة والدور الذي وجدت من أجله وهو حفظ السلم والأمن الدوليين وتنمية العلاقات الودية بين الدول, ومنح شعوب العالم الحرية والاستقلال, إضافة لخلق منبر حر للتفاهم والتعاون والتنسيق الدولي.