اعلن هنا

ذكريات جميلة مع طه حسين بقلم الدكتور عبد العظيم أنيس

ذكريات جميلة مع طه حسين بقلم الدكتور عبد العظيم أنيس

  • يقول الدكتور عبد العظيم :
  • " مع أنني لم أكن من تلاميذ طه حسين وحوارييه ، ورغم أن عدد مرات لقائي معه لم تزد عن أصابع اليد الواحدة ، إلا أنني أحسست منذ شهور برغبة عارمة في أن أكتب عنه في ذكراه الأخيرة ...
  • فطه حسين واحد من القلائل من جيل كبار کتاب ومفكري مصر المحدثين ، الذين اختلفت معهم فکریآ وإن كنت أحببتهم ، وظل هذا الحب والإعزاز کامنآ في القلب والضلوع على طول السنين ..."
  • * رأي الدكتور في طه حسين :
  • كان اسم طه حسين كأسطورة شبه مقدسة ، لا لأنه صاحب دعوة « التعليم كالماء والهواء » فحسب ، ولا لأنه صاحب ( الأيام ) التي هزت وجدان صباي فحسب ، ولا لأنه كان كاتبآ كبيراً فحسب ..
  • بل لأنه فوق كل شيء مثقف مصري صادق الوعد ، لا يفصل بين فكره ومواقفه العملية ، مستعد للتضحية من أجل عقيدته الديمقراطية ودفاعه عن المظلومون من الناس ..
  • * ولاؤه للفقراء :


  • ولعل من الأسباب التي دعتني إلى الكتابة عنه ، أنني قرأت منذ شهور کتاب زوجته السيدة سوزان طه حسين عنه بعنوان « معك » ولقد هزني الكتاب بشدة ، هزني عاطفياً ، لجمال المشاعر الإنسانية التي عبرت فيه السيدة الفاضلة - وبأسلوب شاعري أنيق - عواطفها تجاه زوجها المفكر الكبير ، لكن الكتاب أفزعني في نفس الوقت ! 
  • فمن يقرأه قد يخرج بانطباع أن طه حسين كان فرنسياً وليس مصرياً من صميم ريف مصر وطينة فقرائها . ولست أستطيع أن ألومها كثيراً في ذلك ، لأنها تكتب عما رأته من طه حسين في داخل منزلها ورحلاتها الصيفية في ربوع أوربا ، ولقاءاته مع المفكرين الغربيين ، كما أنها بطبيعة كونها فرنسية الأصل كانت معزولة عن كثير مما يجري خارج المنزل من طه حسين وله . 
  • _ إن الذين كتبوا عن طه حسين في السنين الأخيرة لم يبرزوا جانباً أساسياً في شخصيته ، أعني ولاءه لشعب مصر ، وعندما أذكر هنا شعب مصر ، فإنما أعني فقرائها الذين يمثلون الغالبية الساحقة لهذا الشعب . 
  • ولقد برز هذا الولاء على النطاق الوطني في كتبه ، وعلى الأخص کتاب « المعذبون في الأرض » ، كما برز في سياسته التعليمية عندما كان مستشاراً لوزارة التربية والتعليم أولاً ، ثم عندما كان وزيراً للتعليم بعد ذاك . 
  • * أثر ذلك على طه حسين :


  • من أجل هذا الولاء ، خاض طه حسين معارك كثيرة - فکرية وشخصية - وتحمل كثيراً ، وكان القصر آنذاك في طليعة الناقمين عليه ، بسبب مواقفه الديمقراطية في التعليم ، وبسبب كتاب « المعذبون في الأرض » ، حتى أن فاروق تردد كثيراً في تعيينه وزيراً للتعليم ، عندما عادت وزارة الوفد في يناير سنة 1950م ، إلى الحكم إثر انتخابات عامة عبرت فيها الجماهير عن إرادتها الحازمة بشكل ساحق ...
  • وكل هذا معروف بطبيعة الحال وموثق تاريخياً ، لكن مالا يعرفه الكثيرون أن طه حسين كان على المستوى الشخصي راعياً ومشجعآ لكثير من شباب مصر المغمورین ، دافعاً لهم لمزيد من التعليم ، سعيداً سعادة الأب بابنائه حتى عندما كانوا يختلفون معه ! 
  • * تنصيب طه حسين وزير للتعليم :


  • كان طه حسين وزيراً جديداً للتعليم ، وكنت معيدآ بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية ، جرى توقيفي لعدة شهور مع غيري من المعيدين بجامعتي القاهرة والإسكندرية إبان وزارتي النقراشي وابراهيم عبد الهادي ، وخلال عام سنة 1949م ، كانت معتقلات مصر في الهاكستيب وأبو قير والطور ممتلئه بألوف الشباب من طليعة الوفد والأخوان المسلمين وغيرهم من شتى الميول السياسية ، وعندما جاءت وزارة الوفد أطلقت سراح الجميع ، وعدت إلى جامعة الإسكندرية لإستلام عملي ، فوجئت وغيري بتلكؤ الجامعة في قبول عودتنا ، وبدأت الإشاعات تقول أن مدير الجامعة - وكان معروفا أنذاك بصلته بالقصر - يريد أن ينقلنا إلى التعليم العام ، وأن عميد الكلية متواطؤ معه في هذا الأمر ؛ وران الياس على قلبي واستبد بي الظلام ، ماذا أفعل ؟ ركبت أول قطار إلى القاهرة قاصداً مکتب وزیر التعليم ، وطلبت مقابلته لشرح الأمر له ، وكانت الوزارة تعج بمئات القادمين للتهنئة وقضاء الحاجات ، ولم أكن أطمع في ظل هذه الظروف - وأنا بلا واسطة - في أكثر تحديد موعد لي بعد أسبوع على أقل تقدير ، لكن ما بهرني أن طه حسين طلبني للقائه بعد نصف ساعة من وجودي في مكتبه ، واستمع إلي طويلاً ، ولم ينبس ببنت شفة طوال حديثي ، ثم أشار إلى سكرتيره أن يأخذني إلى مکتبه ، وأن يطلب له مدير جامعة الإسكندرية على الهاتف ..
  • ولست أدري بطبيعة الحال ما جرى بينه وبين الجامعة ، لكنه طلبني مرة أخرى بعد انتهاء الحديث ، ولم يزد على أن قال : « عد إلى الإسكندرية واستلم عملك في الجامعة » ..وقد كان ... 
  • - وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
    لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
    ودمتم بكل خير.