- منذ زمن ، إلى يومنا هذا ، تتوالى الصور واللقطات المشوهة لسيرة الخليفة هارون الرشيد ، مكيفة بحسب الأغراض الموضوعة لها ، وهي في كل الأحوال لا تخلو من أهداف أو نوايا مبيتة ، تتراوح ما بين الصراحة والخفاء ، وإدراكها يسير على المؤرخ الحق ، هذا فضلاً عن أن هؤلاء الذين كتبوا سيرة الرشيد من هذه الوجهة المحرفة ، كانوا أدباء وليسوا مؤرخين ، لذلك يستحيل التعامل مع رواياتهم بالتسليم والقبول ، لما فيها من تحامل وتلفيق ولأنها - بالتالي - كتبت بلغة لا يصح منطقياً ولا عقلياً الأخذ بها على الإطلاق .
-
- سبب تشويه الخليفة هارون دون الآخرون :
-
الحقيقة أن هذا التشويه كان موضوع بدقة ، وجه للرشید بالذات ، لأنه : - 1_ يمثل قمة خلفاء بني العباس اعتباراً ، لما شاده من صروح للتقدم العلمي والحضاري .
- 2_ ما حققه من ازدهار شامل تمثل ( فيما بلغته بغداد برعايته وحكمته وعقيدته ذروة القوة في كل شيء ، سياسة وعلوم واقتصاد وتربية ) ..
- 3_ كانت بغداد في عهد الرشید الدولة الأقوى في العالم كله قهرت أعداءها شرقاً وغرباً .
- فمن البديهي أن يكثر انغذاك الخصوم والحاقدون ، وبالتالي أباطيلهم ومفترياتهم عليه تحت غطاء التاريخ ، ولعل الشعوبية أصدق مثال على ذلك ، مضافاً إليها الطامعون والمتربصون من ذوي النزعات السياسية وغيرها .
-
- شعار هارون الرشيد :
-
- ماأخال شعار الرشيد وهو بذمة الله ، إلا قول أبي العلاء المعري : - تعد ذنوبي عند قومي كثيرة
- ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل
- وكم من المشاهير أوذوا في أعراضهم وأقدارهم باسم التاريخ ، وما كان التاريخ يوماً لينعت أحداً بسوء ، وهو بريء ، وإنما المتقولون عليه بالكذب والزور هم الفاعلون .
-
- دفاع الأبحاث التاريخية المنصفة :
-
رغم ما يكتب اليوم من أبحاث ودراسات تاريخية منصفة ، الدافع إليها الغيرة على الحق ، إلا أن هناك صفحات من التاريخ الإسلامي ، ما تزال مطمورة تحت ركام من الأساطير والخرافات ، تحتاج إلى أقلام أمينة نزيهة لتكشف عن حقائقها الناصعة كما هي ، لا كما ترد في أذهان وضاعين واهمين . -
- السؤال الكبير :
-
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : - ( کیف يسوغ في عقل سلیم ، و يستقيم في ذهن مستنير ، أن يكون هارون الرشید متعهر فاجر وهو من هو ؟ ) .
- وفي المجتمع الإسلامي آنذاك من أفضال العلماء والفقهاء الأجلاء ، من يغضب الله في الصغيرة ناهيك بالكبيرة ، يسكت عن الحق كالشيطان الأخرس ، ولا يتصدى لحماية منصب الخلافة الإسلامية من العبث والسقوط في حمأة الأقذار اعتباراً لما لهذا المنصب الخطير يومئذ من دلالة ورمز ؟
-
- وجوب النصح في الإسلام :
-
مع أن الإسلام أوجب النصح لمن ولاهم المسلمون أمرهم ، فإن لم ينتهوا فقد أباح خلع طاعتهم ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . - والإسلام إذ يقرر الحقيقة الهامة فإنه جعل إلى جانبها حقاً مشروعاً في أيدي اجلا المسلمين متمثلاً في تغيير المنكر بوسائل سنها لهم وألزم كل مکلف طائره في عنقه ..
-
- تساؤلات كثيرة تدافع عن الخليفة الفاضل :
-
_ أيمكن أن يقع هذا الإفتراء أمام مرأى ومسمع الإمام مالك ، وسفيان الثوري ، والفضيل بن عياض ، وابن السماك ، وعبدالله العمري ، وأمثالهم وهم كثيرون من أهل العلم والفضل ، الذين ازدانت بهم أیام الرشيد الوضاءة وكان له صحبة ؟ - _ وهل يعني هذا أن هؤلاء العلماء والفضلاء تنكروا لدينهم ولصالح المسلمين ؟
- _ ثم كيف يتفق هذا مع ما كان عليه هارون الرشید نفسه من الدين والخلق والبكاء لأدنی موعظة ؟
- _ وهل يتطابق مع واقع إنسان کالرشيد في صميمه وجوهره ، وهو الذي اقترنت حياته بزوجة كريمة مثالية هي السيدة زبيدة ، التي مدت قنوات المياه إلى بيت الله الحرام ، وبنت المساجد ، وأنشأت المرافق ، والأوقاف في المدن والطرقات للسابلة ؟
- _ وهل يعد فاجر مذنب من يقف في الحج حاسر حافي على الحصباء ، وقد رفع يديه ، وهو يرتعد ويبكي ويقول يارب ، أنت ، أنت ، وأنا ، أنا ، أنا العواد إلى الذنب ، وأنت العواد إلى المغفرة اغفر لي ؟ ...
- - خاتمة المقال :
- سؤال كبير وعریض ، تتيح الإجابة عنه ، الوقوف على طائفة الحقائق السلوكية والأخلاقية والإنسانية الخاصة بالرحيل ، طالما تطلع الكثيرون إلى إزاحة ما لابسها من غموض ، وتناقض.
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.