-
مقدمة :
-
أضحت حياة الفقيه ورزقه ومطامحه في أيدي أولئك الذين يملكون أمر التعيين للمناصب والوظائف المتاحة للفقهاء ، ألا وهم الخلفاء والوزراء والأمراء والسلاطين والولاة ... - فإن كان علماء الدين قد نالوا من الحكام قدراً عظيماً من الإعتراف بهم كطبقة متميزة من طبقات الأمة ، فقد جاء ضعف مرکزهم نتيجة لحقيقة واقعة وهي :
- أن كافة المناصب التي يتطلعون إليها والتي يؤهلهم لشغلها علمهم وثقافتهم كانت في يد الحكام ، لا يصلون إليها إلا عن طريقهم ، ولا سبيل إلى الترقي في سلمها إلا بإقامة صلات طيبة بهم .
-
- دلالات محنة خلق القرآن :
-
تدلنا محنة خلق القرآن التي بدأها المأمون واستمرت في عهدي المعتصم والواثق ، على أن طبقة الفقهاء لم يكن في وسعها مقاومة السلطان . - وكانت النتيجة أن بدأنا نلمس خضوعاً وإذعاناً كاملين جانب هؤلاء ، وأن سبيل بعض الفقهاء صار التهالك على أصحاب السلطة وقلقهم والإستجابة لرغباتهم ، ثم التعادي فيما بينهم تعادي موظفي الحكومة في أيامنا هذه ، إن ظهر من بينهم من كان أحرص على رضاء الله منه على رضاء من سلطان اغتابوه وتنقصوه حتى ينبذه السلطان فيحل أحدهم مكانه .
- فإن كانت الظروف قد سمحت في بعض الأحايين بأن يقوم الفقهاء بعمل جماعي ضد السلطة ، أو بأن يظهر في العالم الإسلامي فقيه عظيم الجرأة والشجاعة کأحمد بن حنبل أو ابن تيمية ، فقد كان هذا أمراً استثنائياً مخالفاً للقاعدة .
-
- رأي ابن الجوزي يطرحه في كتابه تلبيس ابليس :
-
يقول ابن الجوزي : ( ومن تلبيس إبليس على الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك ، وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه ، لينالوا من دنیاهم عرضاً ، فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه : - الأول _ الأمير يقول : لولا أني على صواب لأنكر علي الفقيه ، وكيف لا أكون مصيباً وهز يأكل من مالي ؟.. والثاني _ العامي يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله فإن فلاناً الفقيه لا يبرح عنده ...
- والثالث _ الفقيه ، فإنه يفسد دينه بذلك ..
- وفي الجملة فالدخول على السلاطين فيه خطر عظيم ، لأن النية قد تحسن في أول الدخول ، ثم تتغير بإكرامهم و إنعامهم أو بالطمع فيهم ، ولا يتماسك عن مداهنتهم وترك الإنكار عليهم .
- وقد كان علماء السلف يبعدون عن الأمراء لما يظهر من جورهم ، فتطلبهم الأمراء لحاجتهم إليهم في الفتاوي والولايات ...
- فنشأ أقوام قویت رغبتهم في الدنيا فتعلموا العلوم التي تصلح للأمراء ، وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم . ويدلك على أنهم قصدوا بالعلوم الأمراء أن الأمراء كانوا قدها يميلون إلى سماع الحجج في الأصول ، فأظهر الناس علم الكلام ، ثم مال بعض الأمراء إلى المناظرة في الفقه ، فقال الناس إلى الجدل ، ثم مال بعض الأمراء إلى المواعظ ، فمال خلق كثير من المتعلمين إليها ، قال ابن عقیل : رأيت فقيهاً خراسانياً عليه حریر وخواتم ذهب ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : خلع السلطان وكمد الأعداء , فقلت : بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلماً ، خلع عليك السلطان فانخلعت به من الإيمان ، رماكم الله بخزيه حيث هونتم أمره ) ..
-
- خوف الفقهاء من إكرام الملوك لهم :
-
وكان سفيان الثوري يقول : ( ما أخاف من إهانة الأمراء لي ، إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم ) ، ولعل من أشهر القصص في هذا الباب ، ومن أولها ما يحكي عن القاضي أبي يوسف ، أحد مؤسسي المذهب الذي عده الناس المثال الأول للفقيه الذي لا يتقيد بمبدأ ، فيستطيع أن يجد السبيل الميسرة للخروج من مشكلة فقهية ، وقد تمكن أبو يوسف من أن يجعل هارون الرشید عاجزاً عن الإستغناء عنه بفضل ما أسماه محبوه بمرونته الفائقة وإدراكه الواقعي للأمور . - ومن أقواله التي تمثله خير تمثيل قوله : ( رؤوس النعم ثلاثة : أولها نعمة الإسلام التي لا تتم النعمة إلا بها ، وثانيها نعمة العافية لا تطيب الحياة إلا بها ، وثالثها نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا بها ) ..
-
- قصة أبو يوسف مع الرشيد :
-
كان أبو يوسف في صباه فقيراً رث الحال ، وكان استاذه أبو حنيفة يسري عنه وقت فقره و يقول له :( لا يجب أن تغتم ، فإن طال عمرك فستأكل بالفقه اللوز بالفستق المقشور ) ، وقد كان .. - ويروي التنوخي في سبب اتصاله بالرشيد فيقول : إنه قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة ، ثم حدث أن بعض القواد حنث في يمين ، فطلب فقيهاً يستفتيه فيها ، فجيء بأبي يوسف فأفتاه أنه لم يحنث ..
- فوهب له دنانير وأخذ له داراً بالقرب منه ، وأتصل به. ثم كان أن دخل القائد يوماً إلى الرشيد فوجده مغموماً ، فلما سأله عن سبب غمه قال : شيء من أمر الدين قد أحزنني ، فاطلب لي فقيهاً أستفتيه ، فجاءه بأبي يوسف ، وإذ دخل أبو يوسف القصر إذا به يری ابناً لهارون محبوساً في حجرة يوميء إليه بإصبعه مستغيثاً ، فلم يفهم عليه ما يريد ، ثم مثل بين يدي الخليفة وسلم .
- فسأله الرشيد : ما تقول في إمام شاهد رجلاً يزني ، هل يحده ؟ ففهم أبو يوسف على الفور أن الزاني هو ابن الخليفة المحبوس ، وأن الخليفة يكره أن يوقع عليه الحد ، فقال : لا يوقع الحد عليه لأن النبي قال : ادرؤوا الحدود بالشبهات ، قال الخليفة : وأي شبهة مع المعاينة ؟ أجاب أبو يوسف بقوله : ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى ، والحكم في الحدود لا يكون بالعلم ، لأن الحد حق الله تعالى ، والإمام مأمور بإقامة الحد ، فكأنه قد صار حقاً له ، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه ، وإنما يقع الحد بالاقرار والبينة ..
- فسجد الرشید حمداً لله ، وأمر لأبي يوسف بمال جزيل طالباً منه أن يلزم القصر ..
- فما خرج حتى جاءته هدية الفتى الزاني وهدية ثانية من أمه ، ثم ما زال حاله يقوى عند الرشید حتى عينه قاضي القضاة .
-
- خاتمة المقال :
-
هكذا أضحى الشغل الشاغل لمعظم الفقهاء تصيد المناصب ، وتحين فرص الترقي في الوظائف ، وبات سبيلهم إلى ذلك ، التقرب من ذوي السلطان ، وكان أكثر ما يقربهم من السلطان إصدار الفتاوى للخلفاء والأمراء متى أراد هؤلاء الخروج على حكم من أحكام الدين ، أو الأخذ بسياسة لا تقبلها الرعية ، أو الإساءة إلى عدو في الداخل أو الخارج قد استفحل خطره . -
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.
- الرئيسية
-
التصنيفات
-
مثال على الأدب العربي
- مثال على الأدب في العصر الجاهلي
- مثال على الأدب في العصر الأموي وصدر الإسلام
- مثال على الأدب في العصر العصر العباسي
- مثال على الأدب في العصر الأندلسي
- مثال على الأدب في العصور المتتابعة
- مثال على أدب البلدان
- مثال على الأدب في العصر الحديث و المعاصر
- مثال على النقد الأدبي
- مثال على الأدب المسرحي
- مثال على الخطابة
- مثال على الكتابة الأدبية
- مثال على أدب الأطفال
- مثال على الفروقات
- مثال على معاني المفردات و الكلمات
- مثال على منوعات في الأدب العربي
- مثال على القصص و الروايات
- مثال على الشعر العربي
- مثال على قواعد اللغة العربية
- مثال على مؤلفات وكتب
- مثال على التاريخ والحضارة
-
مثال على الإسلام والأديان
- مثال على علوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف
- الأدعية و الأذكار
- مثال على التفسير و التجويد
- الأخلاق و العبادات وتزكية النفس
- مثال على السيرة النبوية
- رمضان و الصوم
- الجنة و النار واليوم الآخر
- مثال على الفرق و المذاهب و الأديان
- مثال على علامات الساعة وعذاب القبر
- مثال على الفتاوى الإسلامية
- شبهات ومعتقدات خاطئة عن الإسلام
- مثال على العقيدة الإسلامية
- أحكام فقهية وشرعية
- معلومات دينية عامة
- معلومات دينية للأطفال
- الحج و العمرة
- مثال على تراجم القرّاء
-
مثال على المأكولات
- مثال على الأطباق الرئيسة
- مثال على أطباق منوعة من حول العالم
- مثال على أطباق سهلة وسريعة
- مثال على أطباق جانبية /مقبلات
- مثال على أطباق بالمكرونة
- مثال على أطباق للرجيم
- مثال على الحلويات
- مثال على السلطات
- مثال على المخبوزات /الفطائر
- مثال على المشروبات والعصائر
- مثال على أطباق بدون فرن
- مثال على الأطباق النباتية
- مثال على أطباق صحية
- مثال على الأطباق الغريبة
- مثال على ساندويتشات
- مثال على الشوربات
- مثال على أسئلة وأجوبة في المطبخ
- مثال على الطب و الصحة و الجمال
- مثال على العلوم
- المزيد...
-
مثال على الأدب العربي
- نبذة عنا
- سياسة الخصوصية
- الدخول إلى الحساب